بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
اطلعت على رسوم كاريكاتورية أبدع راسموها فى السخرية من العلاقة بين رئيس أكبر دولة فى العالم وحاكم مستعمرة أنشأها الغرب فى منطقتنا، ولا تستطيع أن تستمر دون دعمه المتواصل ومشاركته معها فى جرائمها. رسوم كلها رائعة ومُعبرة بوضوح عن علاقة تبدو لراسميها غير طبيعية، حيث الحامى هو الأضعف، والمانح هو الذى يتوسل. لكننى لم أجد بعد كاريكاتورًا أتصور أن دلالته ستكون أقوى إذا ظهر فيه رئيس أمريكى جالسًا تحت قدمى رئيس وزراء صهيونى. يطلب رئيس الدولة الأكبر، وهو فى وضع المُهان المُتذلل، طلبًا فلا يُجاب. يتظاهر من يجلس فى وضع المُهين المُذِل بأنه لا يسمع، أو يرفض صراحةً ما يُطلب منه. وفوق ذلك كله يفرض شروطًا يُذعن من يجلس فى وضع المُهان لها. ومنها مثلاً اشتراط نيتانياهو تلقى مكالمة من بايدن قبل أن يلبى وزير الدفاع الصهيونى دعوة رسمية لزيارة واشنطن.
وليس هذا إلا أحد تجليات نمط تتسم به العلاقة الأمريكية الإسرائيلية طول أكثر من عام. ومع ذلك لا نجد رد فعل شعبى أمريكى إلا فيما قل أو ندر. ليس هناك ما يدل على أن الأغلبية الساحقة من الأمريكيين يشعرون بأن كرامتهم الوطنية مُهانة. فهم لا يبالون بإهدار كرامة دولتهم على مرأى ومسمع من العالم كله.
ولهذا حقُ أن نسأل هل لديهم مشاعر وطنية ؟ وهذا سؤال مترتب على آخر يتعلق بوجود انتماء وطنى من عدمه. لا أعرف شعبًا، مهما كان صغيرًا أو حتى بائسا، يقبل إذلال رئيسه الذى يُعد رمزًا له تحت أى ظرف. فهذه إهانة للدولة كلها، وبالتالى للشعب، وليس لشخص. فهل يعود ما نلاحظه فى أمريكا إلى أنها تفتقر إلى تراث وطنى، وهى التى لا يزيد عمرها على قرنين ونصف القرن، أى بضع لحظات فى مسار التاريخ؟ قد يُقال إن الأمريكيين يتحدثون عما يعتبرونها حرب تحرير ضد الإنجليز. ولكن تلك الحرب كانت بين استعمار استيطانى جاء من وراء المحيط واستعمار تقليدى.
حقًا إن الوطنية لا تُباع ولا تُشترى، ولا تُنتج فى مختبرات التكنولوجيا مهما بلغ تقدمها.