بقلم د. وحيد عبدالمجيد
يسود الاعتقاد فى أن ثورة 25 يناير فشلت، أو هُزمت. وينطبق ذلك على الربيع العربى فى مجمله،
حيث يعبر أنصاره عن أحزانهم وخيباتهم فى كل مناسبة يُثار فيها الجدل حوله، وأهمها بطبيعة الحال الذكرى السنوية لثورات هذا الربيع.
غير أنه قليلاً ما يحدث نقاش موضوعى جاد فى هذا المجال. ولذلك نحتاج إلى بلورة معنى محدد لهزيمة الثورة اعتماداً على الاتجاه العام فى الأدبيات المعتبرة الفلسفية والعلمية التى عالجت الظاهرة الثورية منذ القرن التاسع عشر. وإذا تغاضينا عن تباينات هنا وهناك، نجد اتجاهاً عاماً يقيس هزيمة الثورة بموت القيم التى قامت من أجلها فى نفوس الناس، أى تخليهم عنها وإنكارها.
وعندما نطبق هذا المعنى على ثورات الربيع العربى، يبدو واضحاً أنها لم تُهزم رغم الانكسارات السياسية التى تعرضت لها. وإذا أجرينا استطلاعاً فى مصر مثلاً حول قيم ثورة 25 يناير (الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية)، سنجد أن أغلبية كبيرة تتمسك بها. وحتى إذا تخلى قطاع من المجتمع عن قيمة الحرية خوفاً من الإرهاب أو من المجهول فى مرحلة اضطراب اقليمى شامل، فقد صارت قيمتا العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية راسختين فى نفوس معظم المصريين، فضلاً عن أن التخلى عن قيمة الحرية مؤقت ومرتبط بتراجع الأخطار التى تدفع إليه.
ويبرز هنا سؤال مهم هو: ألم تكن قيم ثورة 25 يناير حاضرة فى الوجدان العام قبلها، وأى فضل لها بالتالى فى هذه القيم إذا كانت موجودة قبل اندلاعها؟ والجواب أن الثورة هى التى حوَّلت تلك القيم من حلم لدى بعض قطاعات من المجتمع، إلى هدف لمعظم فئاته بما فيها تلك التى لم تكن الظروف التى عاش فيها أفرادها تسمح حتى بالحلم. وهذا تحول فى مستوى الوعى الإنسانى الذى كان قد تراجع فى العقدين السابقين على الثورة، ثم نهض خلالها ومضى فى مسار ملحمى متعرج وفق الحالة التى عبر عنها الفيلسوف الألمانى هيجل فى تخليله طبيعة الوعى الإنسانى، والعوامل المؤثرة عليه، والمراحل التى يمر بها، والإنجازات التى تحققت بفضله منذ الحضارتين اليونانية والرومانية حتى عصر النهضة، فيبدو تاريخ البشرية لقارئه كما لو أنه فيلم يرى من خلاله المحطات الأساسية فى هذا التاريخ.