بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كان الشاعر الكبير خليل مطران، الذى تحل اليوم الذكرى السبعون لرحيله، واحداً من مثقفين لبنانيين كُثُر جاءوا إلى مصر فى نهاية القرن التاسع عشر، فملأوا ربوعها فكراً وفناً وأدباً، وأسهموا فى بناء نهضتها الثقافية فى تلك المرحلة، فصاروا جزءاً لا يتجزأ من تاريخها، ودليلاً على قوة جذور الثقافة العربية.
لم تكن موهبة مطران الشعرية الكبيرة قد أينعت عندما جاء إلى مصر فى مطلع العقد الأخير فى القرن التاسع عشر، وهو فى عمر العشرين تقريباً. وتزامن وصوله مصر مع رحيل سليم تقلا، الذى كان قد أسس مع شقيقه بشارة جريدة الأهرام. وربما لم يتصور وقتها أنه سيصبح شاعراً كبيراً، وسيطلق عليه شاعر القطرين.
وكان مطران قد سمع, خلال دراسته فى المدرسة البطريركية فى بيروت عن سليم تقلا، أو ربما التقاه ذات يوم قبل قدوم الأخير إلى مصر حيث يتعذر تدقيق بعض وقائع تلك الفترة. وأثر نبأ رحيله فى الشاب القادم لتوه، فكتب فيه رثاءً بليغاً أثار انتباه كثيرين، فاقترح عليه بشارة تقلا أن يعمل فى الأهرام، فصار محرراً فيها، ثم تولى رئاسة تحريرها بعد ذلك. ولكنه لم يبق رئيساً لتحرير الأهرام سوى فترة قصيرة، لأنه فضل أن يخوض تجربة صحفية خاصة به، فأسس مجلة سماها المجلة المصرية، ثم جريدة يومية حملت اسم الجوانب المصرية انخرطت فى دعم الحركة الوطنية التى قادها الزعيم مصطفى كامل.
ولذا يحظى الشعر الوطنى بمكان مميز فى تراث خليل مطران الأدبى، إذ فاضت حماسته فى التعبير عن مقاومة الاستعمار شعراً, فكتب قصائد رائعة خاطب فى إحداها سلطة الاحتلال قائلاً: (شَّردوا الأخيار بحراً وبرا/ واقتلوا أحرارها حُراً فحرا/ إنما الصالح يبقى صالحاً آخر الدهر/ويبقى الشر شرا/ كسروا الأقلام هل تكسيرها/ يمنع الأيدى أن تنقُش صخرا/ قطَّعوا الأيدى هل تقطيعها/ يمنع الأعين أن تنظر شررا ..).
ولم يكن شعره الوطنى حماسيا فقط، بل كان مبدعا أيضا، برغم أن اهتمامه الأساسى تركز فى الشعر الرومانسى, إذ كان أحد أبرز أقطاب جماعة أبولو التى عبرت عن المدرسة الرومانسية فى الأدب العربى.