بقلم د. وحيد عبدالمجيد
ليس فى إمكان أحد أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء عندما تبلغ حركتها إلى الأمام مستوى معيناً من التقدم. يعرف الرئيس ترامب ذلك، مثلما تدركه جموع غفيرة شاركت فى التظاهرات المساندة لحرية المرأة وحقوقها فى الولايات المتحدة ودول أخرى نالت فيها النساء الكثير مما ناضل أنصار المساواة والحرية من أجله على مدى أكثر من قرن.
ومن بين أوصاف كثيرة يمكن أن يوصف بها القرن العشرون، يظل «القرن النسائى» واحدا من أهمها. نالت المرأة خلال ذلك القرن حقوقا صارت بديهية اليوم، ولكنها كانت خيالية حتى نهاية القرن التاسع عشر. وصارت هذه الحقوق راسخة فى غير قليل من من الدول.
ولا يقدر الرئيس ترامب على النيل من جوهر هذه الحقوق، رغم كل ما جاء فى خطبه وتصريحاته الانتخابية، سواء كان تعبيراً عن إيمان حقيقى لديه، أو كان وسيلة للفت الانتباه إليه وهو الذى كان قليل فقط يعرفونه حين بدأ السباق الانتخابى فى مرحلته التمهيدية. وحتى إذا قصد ترامب ما قاله، فهو يعبر عن رأى شخصى لا يملك سلطة فرضه على مجتمع قطع شوطاً بعيداً فى طريق المساواة بين الرجال والنساء.
ومع ذلك، فقد أظهرت الحشود التى رفعت شعارات مثل «لا تراجع للنساء» و«حقوق المرأة هى حقوق الإنسان»، جانباً من الضمير العالمى الذى تصورنا أنه شبع موتاً نتيجة لا مبالاة المجتمع الدولى بآلام الملايين فى سوريا وغيرها. فالقضية هذه المرة لا تتعلق بنساء وأطفال فى منطقة باتت صورتها فى العالم بائسة، بل ترتبط بجزء أساسى من منظومة القيم الحديثة التى تحظى حرية المرأة بمساحة معتبرة فيها.
ولذلك لا يحتاج فهم ضخامة الحشود التى خرجت من أجل هذه القضية إلى تفسيرات تآمرية، أو تساؤلات ساذجة عمن نظَّمها، حتى إذا لم يقتنع الغارقون فى نظرية المؤامرة بأن رسالة بسيطة نشرتها محامية أمريكية متقاعدة عبر «فيسبوك» انتشرت تلقائياً بهذه السرعة المدهشة، واستجابت لها عشرات المنظمات النسائية والبيئية والحقوقية فى أمريكا وخارجها. فالإيمان بعدالة قضية ما لا يحتاج إلى تنظيم أو تمويل للتعبير عنه. وفى امكان الإنسان أن يعبر عن موقفه بشأن قضية تعنيه دون أن ينتظر من يُحرَّضه أو يُنظمه أو يُموله.