بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لم يتصور أحد تحول تظاهرة دُعى إليها فى 25 يناير 2011 إلى ثورة شعبية. فالثورات الكبرى من هذا النوع لا تنتج عن دعوة، ولا تصنعها «مؤامرة» يتخيلها البعض ثم يُصدَّقونها، بل تتراكم عواملها فى قلب المجتمع على طريقة البركان الذى يظل يختمر إلى أن ينفجر.
ويحدث ذلك عبر تراكم تدريجى ينتج عن الاستهانة بأفكار إصلاحية تهدف إلى تصحيح المسار وتقديم بدائل لمواجهة الأزمات، وتخلق فى سياقها وعياً عاماً بالحاجة إلى الإصلاح. فعندما تتجاوب نظم الحكم مع ما تجده مفيداً فى الأفكار الإصلاحية، تستطيع تصحيح المسار ومعالجة الأخطاء أولاً بأول قبل أن تتفاقم وتتحول إلى أزمات طاحنة. وعندئذ يحدث التطور بشكل طبيعى من داخلها, بخلاف الحال عند الاستهانة بدعوات الإصلاح، وإنكار الواقع الذى يستدعى التصحيح. وإذا أردنا أن نحدد بداية الطريق إلى 25 يناير فى هذا السياق، لابد أن نعود إلى مسارين متوازيين أحدهما سياسى والثانى اجتماعى. شمل المسار السياسى وثائق طُرحت فى فترات مختلفة على مدى أكثر من ثلاثة عقود من السبعينيات، بدءا بوثيقة «ائتلاف المصريين» فى نهاية السبعينيات، ووصولاً إلى وثيقة «مستقبل مصر» فى منتصف العقد الماضى، ومروراً بوثائق عدة طُرحت فى أطر سياسية وحزبية مختلفة. وشهدت السنوات الخمس السابقة على الثورة طرح عدد كبير من الوثائق التى قدمت أفكاراً متقاربة للخروج من دائرة ما أُطلق عليه وقتها «التمديد أو التوريث». أما المسار الاجتماعى فقد اقترن بتصاعد الاحتجاجات المطلبية وبروز ظاهرة «رصيف مجلس الوزراء» و«سلالم نقابة الصحفيين». ولكن الجذور الأولى لهذا المسار تعود إلى الانتفاضات الطلابية التى بدأت عام 1968، وتصاعدت عامى 1971و1972. ولذلك لم يكن يوم 25 يناير 2011 معزولاً عن سياق سياسى-اجتماعى ارتبط بتراكم الأزمات والاستهانة بدعوات الإصلاح. ولم يكن ما حدث فى ذلك اليوم، وتطور فى الأيام التالية، إلا تعبيراً عن انفجار نبه اصلاحيون كثر الى امكانية تفاديه, ومنهم كاتب السطور فى مقدمة كتابه «التغيير طريق مصر إلى النهضة» الصادر عام 2005 بقوله (لقد خلق الجمود السياسى جنباً إلى جنب غلق أبواب الإصلاح جمراً تحت الرماد بدأ يتأجج تدريجياً. هذا الجمر يمكن أن يتغير، ويمكن أن يُطفأ. وليس غير الإصلاح سبيلاً لإطفائه).