بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لم يتوقع الرئيس دونالد ترامب كل هذه الاحتجاجات على سياسته، سواء فى الولايات المتحدة أو خارجها. تجاوزت الاحتجاجات على مرسومه الرئاسى بتعليق دخول اللاجئين، فضلاً عن مواطنى سبع دول، كل التوقعات. لم تقتصر هذه الاحتجاجات على الولايات المتحدة, بل صارت حالة عالمية. ولكن بعض الشركات الأمريكية العالمية الكبرى عبرت عن احتجاجها بطريقة أكثر فاعلية، ومنها مثلا شركة «ستاربكس» مالكة أضخم سلسلة مقاه فى العالم. فقد أعلنت أنها ستوفر فرص عمل لعشرة آلاف لاجئ فى فروعها فى 75 دولة. ويثير ذلك سؤالاً مهماً هو: هل تعبر الاحتجاجات عن حالة إفاقة فى أمريكا وأوروبا، وتتيح بالتالى توقع عودة المخدوعين فى السياسات الشعبوية إلى وعيهم، أم أنها تظل مجرد صراخ بلا صدى؟.
الملاحظ أن الاحتجاجات الإيجابية على النحو الذى فعلته بعض الشركات محدودة. ورغم أن التظاهرات الواسعة عبرت عن وعى بأن المرسوم المرفوض ليس إلا بداية إجراءات لن تفيد إلا الإرهاب الذى سيجد فيها مدخلاً جديداً للتحريض والتجنيد، إلا أنها تظل مجرد تسجيل موقف. وقد يقال هنا ان من يتظاهرون ضد سياسة ترامب لا يملكون طريقة أخرى للتعبير عن احتجاجهم.
وهذا قول مردود عليه بأن فى امكان المنظمات الحقوقية الكثيرة التى تشارك فى الاحتجاجات أن ترفع دعاوى قضائية فى أمريكا وخارجها، وأن تطلب متطوعين يشاركون فى حملات طرق لأبواب أنصار ترامب، وأمثاله فى أوروبا، سعياً إلى إقناعهم بأمرين. أولهما أن القضاء على الإرهاب لن يتحقق اعتماداً على سياسات متطرفة ومتعصبة ومنغلقة تؤدى إلى تعميق الكراهية ونشرها، وتمثل بالتالى وجهاً آخر له.
والثانى أن السياسات الشعبوية المنغلقة تُحقَّق للإرهاب هدفه الأعلى الذى لا يستطيع بلوغه مهما قتل وخرَّب، وهو تدمير القيم الإنسانية التى تُمَّثل عصارة الحضارة بمكوناتها المختلفة. وفى إمكان أصحاب الضمائر الحية الذين يشاركون فى الاحتجاجات أن يمارسوا فى الوقت نفسه ضغوطاً على قادة الأحزاب والساسة المعتدلين الذين يزيحهم المد الشعبوى فى أمريكا وأوروبا لمراجعة سياسات ومواقف «نيوليبرالية» عبدَّت الطريق أمام هذا المد، بعد أن تسببت فى تفاوت اجتماعى لا سابق له, وجعلت قطاعات مهمة من الفقراء والمهمشين وقوداً لاتجاهات شعبوية تصعد على غضبهم وإحباطهم.