بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
الوزير ليس موظفاً كبيراً، أو كبير الموظفين فى الوزارة التى يتولى مسئوليتها. دور الوزير أن يشارك فى صنع السياسة العامة للحكومة بوجه عام، وفى مجال عمل الوزارة التى يتولى مسئوليتها بصفة خاصة. ولا يتيسر صنع أى سياسة أو تطويرها دون قدرة على التفكير الخلاَّق الذى يبحث عن الجديد. وهذا التفكير الخلاَّق يتطلب معرفة كافية بالقضايا التى تدخل فى اختصاص كل وزير، وإلماماً بالتطورات الجديدة التى تحدث فيها على المستوى الدولى، ورؤية واضحة للعمل الذى ينبغى القيام به خلال فترة محددة.
وهذه المقومات الثلاثة (المعرفة والإلمام والرؤية) تُعد من أهم المعايير التى يُختار على أساسها الوزراء فى الحكومات الناجحة فى العالم الراهن0 وليست التقارير الأمنية والرقابية إلاً أمراً روتينياً يُنظر إليه عندما يتساوى مرشحان فى تلك المقومات. ولا علاقة لهذه التقارير فى الدول الناجحة بالولاء، أو السمع والطاعة.
وتتيح هذه المقومات فى معظم الأحيان وجود خيال إبداعى تشتد الحاجة إليه فى عصرنا الراهن الذى يرتبط التطوير فيه بقدرة على التجديد والابتكار. وتزداد الحاجة إلى هذا الخيال الإبداعى فى البلاد التى ظلت تدور حول نفسها فى داخل صندوق مغلق على مدى عدة عقود، كما هو الحال فى مصر التى مازال العمل الوزارى فيها مثلما كان فى خمسينيات القرن الماضى وستينياته.
ولذلك يُعد غياب الخيال أحد عوامل ضعف أداء الحكومة، وفشل معظم الوزراء فى التعامل مع مشكلاته وأزمات متراكمة يحتاج التعامل معها إلى أفكار جديدة خارج الصندوق القديم. غير أن المعضلة لا تقف عند حد غياب الخيال الإبداعى. فقد تبين أن لدى بعض الوزراء نوعاً آخر تماماً من الخيال الناتج عن عدم معرفة معلومات أساسية لا يمكن أداء أى عمل دونها.
فقد فاجأنا السيد وزير الصحة مجدداً، وما أكثر مفاجآته المدهشة، بقوله فى مؤتمر عن صناعة الدواء عُقد الأسبوع الماضى: (كنت أتخيل أن فى مصر صناعة دواء، واكتشفتُ أنها لا توجد، وأن ما يحدث هو مجرد تضييع للخطوات الأخيرة 00). والفرق جذرى بين الخيال الإبداعى، والخيال الذى يترتب على عدم معرفة معلومات أولية لا يستقيم أى عمل فى غيابها.