بقلم د. وحيد عبدالمجيد
كيف ينساق الإنسان وراء حماس عاطفى، ولماذا ينجر وراء أحلام وردية بدون أن يسأل عن المقومات اللازمة لتحقيقها ؟ كان هذا غيضاً من فيض أسئلة عميقة طرحها الراحل الكبير توفيق الحكيم فى كتاب صغير لم يتأمله كثير من الذين هاجموه عندما صدر عام 1972، ولم يروا فيه إلا ما ظنوه انقلاباً فى موقفه تجاه الرئيس الأسبق عبد الناصر.
كان الحكيم، الذى تحل اليوم الذكرى الثلاثون لرحيله، قريباً من عبد الناصر الذى اعتبره الأب الروحى لثورة 23 يوليو، معتمداً فى ذلك على أن مسرحية «عودة الروح» بشرت بهذه الثورة. ولكن الحكيم، الذى علَّق آمالاً كبيرة بالفعل على عبد الناصر، انتابه القلق مبكراً عندما رأى الوضع يتجه نحو سلطة مطلقة. وظهر هذا القلق فى أعماله بدءاً من مسرحية زالسلطان الحائرس التى صدرت طبعتها الأولى فى أواخر 1959. واعتمد على قدرته الإبداعية الكبيرة لتقديم ما كان يفكر فيه بطريقة رمزية يسهل استيعاب الرسالة المتضمنة فيها.
عاد إلى العصر المملوكى لكى يبدو كأنه يُقدِّم مسرحية تاريخية، ولكنه طرح سؤال الشرعية السياسية الذى أراد لفت الانتباه إليه، وهو: هل يقوم الحكم على القانون مهما كانت المتاعب التى يُسببها للحاكم، أم على السيف مهما كان استخدام القوة مغرياً؟ ومضت أحداث المسرحية فى اتجاه الانتصار للقانون عسى أن تصل الرسالة. ومضى الحكيم فى هذا الاتجاه بطريقة أخرى فى مسرحية زياطالع الشجرةس 1962، ثم فى مسرحية «شمس النهار» 1965، وبعدها فى مسرحية «بنك القلق» فى العام التالى. وتنطوى هذه المسرحيات على دروس بليغة بشأن دور الإبداع الأدبى والفنى فى التنوير السياسى، وليس الثقافى فقط. وكانت كلها شاهدة على أنه لم يُوِّقع على بياض لزعيم أحبه, بل سعى لأن ينصره عن طريق محاولة إنارة الطريق أمامه.
ولذلك، لم يكن هناك انقلاب فى موقفه عندما وجد نقداً لاذعاً لنظام عبد الناصر فى كتاب «عودة الوعى» لأنه أدى واجبه فى التنبيه إلى الأخطاء والأخطار فى وقت مبكر. كما لم يعف نفسه من النقد، ربما لاعتقاده أنه لم يحاول أن يكون أكثر صراحة رغم أن المجال لم يكن يتسع لمزيد.
اذكروا الحكيم فى ذكراه، وتأملوا حكمته، وأعيدوا قراءة إبداعه الذى سيبقى فخراً للأدب العربى.