بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
الأحزاب الديمقراطية فى ألمانيا تُضعف نفسها، وتضع النظام الديمقراطى فى خطر، عندما يتخندق كل منها فى موقعه، ويرفض الوصول إلى توافق لا يمكن لهذا النظام أن يعمل فى غيابه. ترتكب هذه الأحزاب جرائم فى حق نفسها قبل كل شئ، عندما تعطل تشكيل الحكومة التى تحاول زعيمة الحزب الديمقراطى المسيحى إنجيلا ميركل تأليفها خلال الأسابيع الأخيرة.
اختلفت الأحزاب الثلاثة التى تفاوضت معها ميركل (الاتحاد الاجتماعى المسيحي، والحزب الليبرالي، وحزب الخضر) على قضية اللاجئين، وبعض القضايا البيئية, وتوقيت إلغاء ضريبة «سول» المخصصة لدعم المناطق التى كانت جزءاً من ألمانيا الشرقية السابقة.
وفى قضية اللاجئين، بدا المشهد كما لو أن بعض الأحزاب الألمانية تخلت عن مبادئ ظلت تؤكد التزامها بها على مدى عقود، وأرادت أن تعاقب ميركل سبب شجاعتها فى اتخاذ قرار استقبال مئات الآلاف من اللاجئين وإنقاذهم من الضياع.
والمثير فى المشهد الألمانى أن الحزب الأقرب إلى ميركل «الاتحاد الاجتماعى المسيحي» والذى يعد النسخة البافارية من حزبها، لعب دوراَ معتبراَ فى إفشال المفاوضات الائتلافية بسبب موقفه البالغ التشدد فى قضية اللاجئين. ولكن الحزب الليبرالى الخاضع لابتزاز القوميين المتطرفين يتحمل مسئولية أكبر عن هذا الفشل.
وبعد ان رفض الحزب الاشتراكى الديمقراطى المشاركة فى المفاوضات الائتلافية, أصبح فى إمكانه إنقاذ الموقف إذا تحلى بالمسئولية. ربما يفضل بعض قادة هذا الحزب إعادة الانتخابات التى أجريت فى سبتمبر الماضي، أملاً فى الحصول على عدد أكبر من المقاعد. وهذه محض مغامرة لأن القوميين المتطرفين فى حزب البديل من أجل ألمانيا يمكن أن يستغلوا تهافت الأحزاب الديمقراطية، ويواصلوا الصعود الذى حققوه فى تلك الانتخابات التى حصلوا فيها على 12.6% من أصوات الناخبين.
وفى ظل هذه الأزمة, يستعيد بعض الألمان قصة ما حدث قبل الحرب العالمية الثانية عندما انهارت جمهورية فايمار الديمقراطية بسبب حدة الانقسام السياسي، مما أدى إلى كارثة صعود النازية. صحيح أن ألمانيا الآن ليست مثل جمهورية فايمار، ولكن الوضع يظل مقلقاً بسبب سوء أداء الأحزاب الديمقراطية