بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تعليقاً على الاجتهاد المنشور فى 27 أبريل الماضى حول الانتخابات الهندية والإندونيسية تحت عنوان خُمس سكان العالم، ذكَّرنى الصديق مجدى محمدين بكتاب نورمان بالمر عن النظام السياسى فى الهند. ترجم الراحل الكبير د. فتح الله الخطيب هذا الكتاب عام 1965 ضمن سلسلة «دراسات فى نظم الحكم» التى أصدرتها مكتبة الأنجلو المصرية بالاتفاق مع مؤسسة فرانكاين. وكان الكتاب ضمن الأعمال المطلوب منا قراءتها، وتلخيصها، فى إحدى قاعات البحث خلال دراستنا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى أواخر السبعينيات.
ومازال هذا الكتاب أحد أهم الأعمال العلمية عن تطور النظام السياسى فى الهند، والمرجع الأساسى الذى يعود إليه دارسو تجربتها الانتخابية، والراغبون فى معرفة المشقة الهائلة التى تكبدتها نخبة متميزة قادت تلك التجربة لإجراء أول انتخابات عامة فى نهاية 1951 وبداية 1952.
كانت مهولةً الصعوبات التى واجهت عملية تسجيل الناخبين للمرة الأولى فى بلد مترامى الأطراف، وتسوده الأمية، وتقل فيه الطرق الممهدة، ويتطلب الانتقال بين بعض ولاياته وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً.
استُخدم أسلوب المسح العام من منزل إلى آخر لتسجيل الناخبين. ومن أبرز الصعوبات، التى اعترضت القائمين بالتسجيل، صعوبة الحصول على الأسماء بدقة، بسبب تشابهها من ناحية، ورفض التصريح بأسماء النساء من ناحية أخرى بسبب الإصرار على تسمية بعضهن بأسماء أزواجهن أو آبائهن. كما أن حظر قيام الأحزاب والمرشحين بنقل الناخبين إلى مراكز الاقتراع زاد الأمر صعوبة، حيث كانت المسافات شاسعة، وكان عدد المواطنين قليلا. وهذا يفسر ما يستغربه كثيرون، وهو إجراء الانتخابات على مدى ستة أسابيع، وفق نظام اقتراع معقد. ومازال هذا النظام سارياً، مع تعديلات محدودة، إذ تتواصل الانتخابات التى بدأت فى 11 أبريل الماضى حتى 19 مايو الحالى. وكان صعباً، أيضاً، تحديد الدوائر الانتخابية، وتعيين الحدود بينها، وشرح إجراءات الاقتراع لكثير من الناخبين الذين كان نحو 80% منهم أميين.
ورغم هذا كله، وغيره، كان تقييم بالمر تلك الانتخابات أنها دليل على قدرة شعب على ممارسة حق الانتخاب بطريقة عقلانية فى ظروف بالغة الصعوبة، الأمر الذى يجعل التجربة الانتخابية الهندية نادرة فى العالم.