بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى التحديات التى تواجه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والمهمات التى يتعين عليه أن يتصدى لها، فى أجواء محتقنة تفرض عليه مسئولية إضافية فى السعى إلى توازن صعب، ولكنه ضرورى لكى يكتسب المصداقية التى تُعد أهم مقومات النجاح بالنسبة لهذا النوع من المجالس.
ولذلك ربما يكون التحدى الأول هو تأكيد استقلاله، وفق ما تنص عليه المادة 211 فى الدستور: (هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال الفنى والمالى والإدراي، وموازنتها، مستقلة). وليس سهلاً هذا التحدي، وخاصة على صعيد الاستقلال المالى والإداري، الذى يتوقف عليه ضمان استقلال عمل المجلس وقراراته. وينبغى أن يظهر هذا الاستقلال بوضوح فى طريقة تعامل المجلس مع التحدى الرئيسى الذى يواجهه على المستوى المهني، وهو ما ورد فى المادة الدستورية نفسها كالتالي: (ضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها ومقتضيات الأمن القومي).
ويمكن تحديد جوهر هذا التحدى فى القدرة على التمييز بين ضوابط التعبير لضمان عدم الإساءة، وضمانات الحرية التى ينبغى الحفاظ عليها. وسيكون التوازن هنا، مرة أخري، هو المحدَّد الرئيسى لأداء المجلس، لأن الكثير من صور التدهور فى الإعلام المرئى يحدث تحت لافتات وطنية، يعتقد البعض أنها تُبرَّر الذهاب إلى أبعد مدى فى انتهاك أصول المهنة وأخلاقياتها0
ولا يدرك اّخرون أن تحويل الأمن القومى إلى ذريعة للحض على الكراهية يتعارض مع أحد أهم مقتضيات هذا الأمن، وهو السلم الاجتماعي. ومن بين قائمة تحديات طويلة، يحظى تحديان يرتبط أحدهما بالآخر ومنصوص عليهما فى المادة 211 أيضاً بأهمية خاصة. أولهما منع الممارسات الاحتكارية التى بدأت تزداد بالفعل فى مجال الإعلام المرئى الخاص، على نحو يفرض تحديد معايير واضحة لما يُعتبر احتكاراً، وما يُعد ممارسة احتكارية، وحدود الفرق بينهما، لكى يتسنى تطبيقها على الجميع. والثانى مراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية. والارتباط واضح، لأن الاحتكار يتطلب إنفاقاً كبيراً لا يعطى مردوده قبل فترة غير قصيرة، بافتراض أن هذا المردود سيُغطى ما يتم إنفاقه فى إعلام تقليدى تقل فيه الأفكار ويندر الإبداع. ولذلك يشمل هذا التحدى بحث الهدف من إنفاق مبالغ طائلة لتمويل مؤسسات إعلامية، حيث يتعذر التأكد من سلامة مصادر هذا التمويل بمعزل عن الغرض منه.