بقلم د. وحيد عبدالمجيد
سيسجل التاريخ عن عام 2016 أنه أحد أسوأ الأعوام فى التاريخ الحديث، بعد أن وصلت فيه الردة عن قيم التنوير والحداثة والحرية الى ذروتها فى أوروبا والولايات المتحدة حيث المعاقل الأساسية لهذه القيم، وبلغ فيه التدهور والانحطاط مبلغاً شديد الخطر فى كثير من المناطق، والشرق الأوسط. ومع ذلك تحمل مقاومة القوى الحية فى العالم ضد هذه الردة أملاً فى تقصير المدى الذى ستستغرقه، وتُبشَّر بإمكان وضع حد لها فى الغرب على الأقل قبل أن تقتلع ما بقى من معنى للإنسانية والضمير والأخلاق فى عالم تحكمه القوة العارية من أى غطاء. وكان حصول ألبوم “ليمونيد” الغنائى للفنانة الأمريكية السمراء بيونسيه على لقب “ألبوم العام” فى أهم استطلاعات 2016 فى مجال الموسيقى والغناء أحد العوامل التى تؤكد القدرة على مقاومة الردة الثقافية السياسية فى عالم اليوم. ويعتمد اختيار “ألبوم العام” على مجموعة من الاستطلاعات (بلغ عددها 25 هذا العام) تجريها أهم المجلات والمواقع الإلكترونية والمدونات المعنية بالموسيقى والغناء.
وتعود أهمية ألبوم “ليمونيد” إلى مضمونه المشحون بقيم ليبرالية تقدمية تُمجدَّ الحرية والمساواة والعدل والكرامة الإنسانية، وتدافع عن حقوق المرأة والأقليات، مع اهتمام خاص بقضية السود فى الولايات المتحدة نتيجة تنامى النزعة العنصرية مجدداً فى السنوات الأخيرة.
وعندما يتفوق ألبوم غنائى مشحون بهذه القيم والمواقف فى مسابقة بالغة الصعوبة، فهذا يعنى أن صعود القوى القومية المتطرفة والعنصرية فى أوروبا وأمريكا لن يكون سهلاً، ليس فقط لأنها ستنكشف بأسرع مما يتوقع كثيرون، وسيتبين أنها لا تجيد إلا صناعة الكراهية، ولكن أيضاً لأن الفن وغيره من أدوات القوة الناعمة سيكون لها بالمرصاد.
وليست بيونسيه المغنية والممثلة، التى يبدو عقلها المستنير وقلبها الذى يحتضن آلام البشر أروع من جسدها الأسمر الجميل، إلا واحدة من بين آلاف الفنانين الذين سيقومون بدور جوهرى فى تحدى الردة الثقافية والسياسية فى الغرب، بكل انعكاساتها المؤلمة على منطقتنا البائسة.
ولذلك نزل نبأ احتلال ألبومها مركز الصدارة فى هذا العام البائس بصفة خاصة برداً وسلاماً على كل من يشاركونها انحيازها إلى القيم الإنسانية العليا التى تتعرض لأكبر محنة منذ أن أشرقت شمسها على العالم فى مطلع العصر الحديث.