بقلم :د. وحيد عبدالمجيد
يخطئ الاتجاه من يستسهلون مهاجمة الأزهر الشريف لا يعرفون العنوان الذى يفترض أن يقصدوه إذا كانوا جادين بالفعل فى السعى إلى محاصرة منابع التعصب والتطرف، وهو التيارات السلفية التى تتعامل مع النصوص والأحكام انطلاقاً من فهم بالغ الضيق يُوَّسع دائرة المحظور بلا حد، ويضَّيق مساحة المباح إلى أدنى حد.
كنت أبحث عن كتاب فى مكتبتى قبل أيام حين وجدت كتاباً آخر مهماً فى هذا المجال، وهو الأستاذ عبد الجواد ياسين «السلطة فى الإسلام العقل الفقهى السلفى بين النص والتاريخ» لذى أثار بعض الاهتمام عند إصداره، قبل أن يطويه النسيان مثل كتب عدة تتضمن أفكاراً مهمة يمكن أن تفيد فى رسم خريطة للحد من التعصب والتطرف.
ومن بين أفكار كثيرة يطرحها الكتاب، تنطوى فكرتان أساسيتان على أهمية خاصة فى السياق الذى نتحدث عنه. الأولى أن تيار أهل الحديث، الذى يرى ياسين أنه الأكثر تأثيراً فى فقه الاتجاه الواسع الذى صار يُعرف بأهل السُنة والجماعة، هو الأقل اهتماماً بقيمة الحرية والاجتهاد الحر. ويُقصد بهذا الاجتهاد مناقشة الوقائع المستحدثة اعتماداً على أدوات الاستدلال العقلى، مثل الاستنباط والاستقراء والمقارنة والتحليل والتجريب، والاستفادة من مناهج البحث العلمى الحديثة فى العلوم الإنسانية والطبيعية.
ولم تكن الحالات التى حدث فيها مثل هذا الاجتهاد بدرجة أو أخرى إلا استثناء، مثل منهج الإمام ابن حزم الاستدلالى الذى جمع بين النص والعقل والفكرة الثانية هى ضرورة انطلاق أى مشروع إصلاحى من مبدأى الحرية والعقل العلمى النقدى بدون سقف إلا من ثوابت النصوص القطعية الدلالة، والتى تعد قليلة بطابعها. ويتطلب ذلك عنده إعادة قراءة ثم كتابة أصول الفقه، ومراجعة الإضافات التى حُملت عليه من خلال منهج الإسناد فى جمع الروايات والأخبار، سعياً إلى فتح الباب أمام تطور علم الحديث.
ويطرح الكتاب تصوراً متكاملاً لمنهج نقدى تاريخى شامل يعتمد على آليات لكل منها أصوله التى ظلت هامشية رغم أهميتها، مثل نقد المتون الذى مارسه أئمة كبار منهم مالك والبخارى، بل ابن تيمية أيضاً، فى بعض الحالات والمدهش أن يكثر الكلام - الذى يظل كلاماً عن إصلاح الخطاب الدينى بدون الرجوع إلى مثل هذا الكتاب، وغيره من الأعمال المنسية, وكأنها ليست موجودة.