بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لم أستغرب انتقادات تلقيتُها بسبب الإشارة إلى أغنية للفنانة اللبنانية جوليا بطرس فى «اجتهادات» الأربعاء الماضى التى أخذتُ عنوانها «ما بتقدر تلغيني» من هذه الأغنية. فقد وصل الاستقطاب إلى المدى الذى يجعل أى خلاف معركة صفرية ليس فيها إلا مع وضد، وأبيض وأسود.
اعترض المنتقدون على ما اعتبروه إشادة بفنانة ناهضت ثورات الربيع العربى التى يؤيدونها0 لم يفطن أى منهم إلى أنهم يعيدون بموقفهم المتطرف هذا إنتاج الفشل فى تقديم نموذج لاحترام حرية الجميع, ويصرون على شيطنة المختلفين معهم.
وكان للفنانة جوليا بطرس نصيب وفير من هذه الشيطنة منذ أن عبرت عن موقفها المناهض للثورات، بحكم خليفتها الفكرية المرتبطة بتوجهات الحزب القومى السورى الاجتماعى الذى يؤيد نظام الحكم فى دمشق0 أثار هذا الموقف غضب من سعوا إلى شيطنتها. وعندما أعياهم البحث عن سبيل إلى ذلك، أخرجوا أغنيتها «أطلق نيرانك» الصادرة بداية 2013 من سياقها، وقالوا إنها تُحرضَّ السلطة السورية على قتل معارضين انتفضوا ضدها.
ومازالوا يُردَّدون هذا التأويل، رغم أنها ردت عليه بطريقة عملية وذكية فى أول حفلة أحيتها بعد إصدار تلك الأغنية0 وكنت فى لبنان حين أُعلن عن حفلتها هذه على مسرح بلانيا، فاتصلتُ بصديق من الوسط الفنى لمساعدتى فى شراء تذكرة. أبلغنى أنه سيرسلها مع سائقه إلى الفندق. ولكنه هاتفنى بعد دقائق، وأخبرنى بأنه اتصل بمنظمى الحفل فأصروا على دعوتي، وخصصوا لنا مقعدين فى الصف الأول. غنت جوليا بطرس ليلتها عدة أغنيات. وعندما شرعت فى أداء الأغنية المثيرة للجدل، التفتت نحو مجموعة من رجال الجيش اللبنانى الباسل كانوا حاضرين، وتوجهت إليهم وهى تغنيها، ليفهم الجميع أن كلمات الأغنية تخاطبهم دون غيرهم (عدوك جاء يتوهم/ سيموت بأرضنا ويُهزم/ من داس ديارنا فليندم), وأنها ليست مسئولة عن استغلالها من جانب هذا الطرف أو ذاك نتيجة سوء قصد أو سوء فهم.
كان الجيش اللبنانى قد شرع فى مواجهة الإرهاب الذى أخذ فى التصاعد فى المنطقة اعتباراً من 2012. وكنت شاهداً على أنها غنت لجيش وطنها وشعبها لدعمه فى هذه المواجهة، وتأكدتُ أن من غنت (أنا بأتنفس حرية/ لا تقطع عنى الهوا) لا تتورط فى تحريض على قتل مطالبين بها مهما كان خلافها معهم.