بقلم د. وحيد عبدالمجيد
اتفق أو اختلف كما شئت مع د. بطرس بطرس غالى الذى حلت ذكرى رحيله الأولى أمس الأول. وقد اختلفتُ شخصياً مع هذا الأستاذ الكبير ولكننى تعلمت منه مثل الكثير فى جيلى وأجيال أخرى.
تبنى د. غالى منهجاً محافظاً فى دراسة العلاقات الدولية، كما فى أوجه كثيرة من حياته. ومازال هو رائد هذا المنهج فى العالم العربى. ولذلك كان طبيعياً أن يختلف معه من يتبنون مناهج ليبرالية أو تقدمية أو راديكالية. وقد اختار بعضهم أن يتخذوا منه موقف الضد، حتى لا أقول العداء. ولكن بعضاً آخر منهم، مثل كاتب السطور، احترموا علمه واختلفوا معه فى الوقت نفسه، وعرفوا قدره، فضلاً عن حبهم لشخصه.
ورغم أن ما كُتب عنه عقب رحيله فى العام الماضى لم يترك مجالاً لمزيد، ربما يكون البُعد الأخلاقى فى شخصيته أحد أهم الأبعاد التى مازالت فى حاجة إلى سبر أغوارها. وفى سيرته دروس ملهمة تشتد حاجتنا إليها فى هذه اللحظة تحديداً، وخاصة الدرس المتعلق بقيمة احترام الخصوصية. ورغم أن هذه القيمة بديهية بالنسبة إلى أى إنسان يحترم نفسه قبل غيره، فضلاً عن كونها تعبيراً عن تحضر الشخص أو همجيته، فهى تُعد أحد أكثر ما تشتد حاجتنا إلى إعادة تأكيده فى لحظة تدهور خطير فى منظومة قيمنا المجتمعية.
كان احترام الخصوصية حاضراً فى سلوك د. غالى طول الوقت. ولذلك شعر بحرج شديد عندما شرع فى تحويل يومياته التى دونها خلال ما سماه السنوات الست الباريسية إلى كتاب أصدره تحت عنوان «بانتظار بدر البدور .. يوميات 1997-2002».
فمن الطبيعى أن تتضمن ذكرياته التى دونها فى مفكرته أموراً تخص أشخاصاً آخرين ولذلك كتب فى مقدمة الكتاب (طيلة سيرتى السياسية والدبلوماسية، ألزمت نفس بواجب التحفظ. وأعتقد أننى فى كتابى هذا لم أحد عن تلك القاعدة الذهبية، لأن معظم الشخصيات التى آتى على ذكرها التقيتها فى إطار مهماتى الرسمية. ومع ذلك، إن حصل فى بعض الأحيان، أن قمتُ بإفشاء أسرار، أود الاعتذار للأشخاص الذين ذكرتهم، والأشخاص الذين أغفلت ذكرهم).
فيا له من رقى إنسانى يحتاج من يفتقدون أى قدر منه إلى التعلم منه إذا كان قد بقى لديهم أدنى استعداد للصعود من القاع الذى اختاروه مستقراً لهم.