بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
فى بعض الأفلام السينمائية تُكتب كلمة النهاية عندما ينتهى الفيلم. وفى بعضٍ آخر منها يُكتفى بتنزيل تيتر يتضمن أسماء المشاركين فى الفيلم، أو من لم يُذكروا فى بدايته. وما يحدث الآن فى العالم ليس فيلمًا سينمائيًا، ولكنه واقع يمكن أن يُلهم أفلامًا وليس فيلمًا واحدًا. ينتهى النظام العالمى، الذى بزغ تدريجيًا عقب الحرب العالمية الثانية، ولكن دون كتابة كلمة النهاية. كان ممكنًا أن تُكتب هذه الكلمة عند طرد الرئيس الأوكرانى زيلينسكى من البيت الأبيض يوم الجمعة الماضى. ولكن تُرك لمتابعى ذلك الحدث الجلل استنتاج أن النظام العالمى انتهى رسميًا، بعد أن توالت مقدمات نهايته. فقد أنهت حرب أوكرانيا، ثم العدوان على قطاع غزة وبعده لبنان والضفة الغربية، مبادئ عدة يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة وغير قليل من الاتفاقيات الدولية، وليست اتفاقية جنيف الرابعة فقط. وحطم تهديد المحكمة الجنائية الدولية وفرض عقوبات عليها منظومة العدالة التى كانت جزءًا لا يتجزأ من النظام المنتهى. وقوّضت مشاركة الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين فى إبادة غزة, ومكافأة الكيان الإسرائيلى على جرائمه, أحد أهم أركان النظام الدولى المُنتهى. وإذا كان هناك من تصوروا أن هذه حالة خاصة وتحفظوا على تعميمها فقد تكررت مكافأة المعتدى فى حرب أوكرانيا رغم اختلاف الظروف. فقد طُرد زيلينسكى من البيت الأبيض لأنه لم يقبل صفقة إذعان تقود إلى استسلام بلد اعتُدى عليه، بغض النظر عن ملابسات الاعتداء. صحيحُ أن الاعتداء كان رد فعل مفهوما على رفض الغرب تقديم ضمانات لأمن روسيا، ولكن هذا لا يبرر مكافأة المُعتدى، بل يفترض أن يدفع إلى حل متوازن يضمن عدم نشوب حروب جديدة فى أوروبا وغيرها. فوفقًا لقواعد النظام الدولى الذى انتهى لابد من إعطاء روسيا الضمانات التى طلبتها كاملةً مقابل إعادة معظم الأراضى التى احتلتها. ولكن هذا النظام انتهى وأصبح فى إمكان كل من يستطيع غزو جارٍ له أو الاعتداء عليه أن يفعل مادام يملك القوة التى تُمكَّنه من ذلك. فهل نقول وداعًا لمبدأ حل الصراعات بالطرق السلمية وكل ما بُنى عليه من قواعد ومؤسسات دولية؟.