بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لم يبق إلا أسبوع واحد على معركة الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى ستجرى جولتها الأولى الأحد المقبل. ربما تكون هذه الانتخابات هى الأكثر تأثيراً على خرائط القوى السياسية والاجتماعية فى الغرب, وربما فى العالم, لفترة طويلة قادمة.
لقد ظلت مواقع الصدارة فى هذه الخرائط لتيارين رئيسيين هما اليمين التقليدى ممثَّلا فى أحزاب ليبرالية وأخرى محافظة معتدلة، واليسار التقليدى بأحزابه الاشتراكية المتنوعة. غير أن الجمود السياسى الذى خيمَّ على معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة أدى إلى تراجع ثقة قطاعات يُعتد بها من ناخبى هذين التيارين، وأفسح مجالاً لصعود تيارات قومية شعبوية يُطلق عليها تجاوزاً اليمين المتطرف فتمددت فى المجتمع بعد أن كانت محصورة فى هامش ضيق. وفى الوقت الذى تشتد فيه مخاوف أنصار الحرية والمساواة والعدالة فى العالم من فوز مارين لوبن مرشحة حزب الجبهة الوطنية الذى يُمثَّل التيار القومى المتطرف، يبدو التنبؤ بنتيجة هذه الانتخابات صعباً إن لم يكن مستحيلاً لسببين. أولهما أن نسبة الناخبين المترددين أكبر من أن تسمح بتوقع كيفية توزيع الأصوات الانتخابية، فضلاً عن وجود نسبة كبيرة أخرى من المحبطين الذين لن يقترعوا فى هذه الانتخابات.
أما السبب الثانى فهو أن فشل استطلاعات الرأى العام فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وقبلها فى استفتاء البريكزيت البريطاني، تدعم الشكوك فى جدوى الاعتماد على نتائج مثل هذه الاستطلاعات فى فرنسا. ورغم ذلك، فالقدر الذى قد يكون متيقناً هو أن الخريطة السياسية الفرنسية تغيرت قبل فتح صناديق الاقتراع، بعد أن ضعفت فرصة مرشح اليمين التقليدى فرانسوا فيون على المنافسة بسبب فضيحة الفساد التى تطارده، فى الوقت الذى كانت فيه فرصة مرشح اليسار التقليدى بونوا آمون ضعيفة من الأصل وخاصة بعد فشل محاولات التوفيق بينه وبين المرشح اليسارى الأكثر تشدداً منه جان جاك ميلانشون، لكى ينسحب أحدهما لمصلحة الآخر. وإذا صح هذا التقدير للموقف، ستتركز المنافسة بين المرشحة القومية الشعبوية لوبن، والمرشح الذى يرسم ملامح مساحة وسطية جديدة فى الخريطة السياسية إيمانويل ماكرون. وفى هذه الحالة سنكون إزاء معركة تاريخية بحق سيكون لها أثرها الكبير على خريطة القوى السياسية والاجتماعية فى غير قليل من بلدان العالم.