بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يحفل التاريخ بأحداث ووقائع تدل على أن القرارات والمواقف التى تؤدى إلى نتائج عكسية، وأحياناً مناقضة تماماً للهدف منها، أكثر من أن تُحصى. وفى معظم الحالات، كان ممكناً تجنب نتائج سلبية ترتبت على إجراءات معينة لو أن من قاموا بها استوعبوا دروس التاريخ التى يُفلح من يعلمها ويخيب من يجهلها.
ورغم ذلك، مازالت دروس التاريخ مهملة لا تجد من يعود إليها حين يشرع فى القيام بعمل يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة، لكى يهتدى بها ويستنير بضوئها.
ومن أهم هذه الدروس فى اللحظة الفارقة التى تمر فيها منطقتنا أن نار الصراعات المذهبية الحارقة تبدأ عادة من أى مستصغر شرر. وينبغى أن يكون هذا الدرس ماثلاً فى أذهاننا عندما نتأمل الدعوة إلى تعديل قانون تنظيم الأزهر, وتغيير طريقة اختيار شيخه، بحيث يشارك أعضاء مجمع البحوث الإسلامية فى انتخابه إلى جانب أعضاء هيئة كبار العلماء (يقتصر الانتخاب على هذه الهيئة الآن)، إلى جانب استمراره فى منصبه لمدة 8 سنوات فقط، يحق له أن يترشح بعدها فى الانتخابات، بدلاً من أن يبقى مدى الحياة.
ولعل أخطر ما يُراد تعديله، وفق المعلومات المتداولة بشكل متواتر وبالصيغة نفسها فى وسائل إعلام عدة، أن يكون هناك ما يضمن تمثيلاً عادلاً “للمذاهب” فى تشكيل هيئة كبار العلماء، وأنه عند ترشح ثلاثة من أعضاء هذه الهيئة للمنصب يشترط ألاَّ ينتموا إلى المذهب نفسه، أى أن يكونوا من مذاهب مختلفة.
ومكمن الخطر هنا هو أن هذه الطريقة فى التنافس على منصب شيخ الأزهر ربما تؤدى إلى إذكاء الخلافات المذهبية، وقد تقود إلى إشعال نوع جديد من الصراعات لم تعرف مصر مثله منذ فترة طويلة. وفضلاً عن أن الأوضاع لا تتحمل اندلاع صراعات جديدة، فى الوقت الذى تشتد الحاجة إلى احتواء تداعيات صراعات متعددة الأبعاد، لا يُعقل أن نشعل بأيدينا صراعاً مذهبياً نرى بأم أعيننا الآثار المدمرة لبعض أشكاله فى عدد من بلدان المنطقة.
ولذلك ينبغى أن نتأنى ونفكر جيداً فى العواقب الوخيمة لإشعال صراعات مذهبية، لأن أخطارها جسيمة على مصر وشعبها، وليس فقط على الأزهر الذى يحتاج بالفعل إلى إصلاح حقيقى، ولكن بعيداً عن اللعب بالنار.