بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
الحديث عن أن منظمة الأمم المتحدة مِلك للدول يصلح لتفسير فشلها فى أداء معظم وظائفها، وليس لتبرير تخاذل أمينها العام الحالى أنطونيو جوتيريش وافتقاده شجاعة الدفاع عن المبادئ التى تقوم عليها هذه المنظمة فى أدنى حد لها، وهو أن تبقى موجودة على الورق، أو على شبكة «الإنترنت».
حاول الصديق د. إبراهيم عوض، فى مقالة مهمة نشرها أخيرا، أن يلتمس عُذراً للسنيور جوتيريش عندما امتثل من فوره لـفرمان أمريكى أمره بسحب التقرير الذى تبنته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) من التداول، على النحو الذى سبق أن تناولته فى اجتهادات الأربعاء الماضى مُذكَّراً بموقف د. بطرس غالى الذى رفض إملاءً مماثلاً وأصر على عرض التقرير الخاص بمذبحة قانا على مجلس الأمن عام 1996. أصاب د. عوض بالتأكيد فى حديثه عن أن الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة ليست فوق الدول، لكى تحكم على تصرفاتها وتُحدَّد لها ما تفعله، وأن وظيفتها هى تنفيذ القرارات التى تصدرها أجهزة هذه المنظمة. ولكن ليس هناك ما يفرض على الأمانة العامة أن تكون تحت أقدام الدول الأقوى والأكثر نفوذاً إلا إذا كان على رأسها من لا يرى غضاضة فى ذلك، ويعتبر التمديد له لفترة ثانية هو هدفه الأسمى.وإذا كانت وظيفة الأمانة العامة هى تنفيذ القرارات التى تصدرها أجهزة المنظمة، فماذا يفعل حين يستحيل إصدار قرارات تعرف أنها ضرورية ليس لاحترام المبادئ التى يقوم عليها المنظمة الدولية فقط، ولكن لكى يبقى لهذه المنظمة ما يبرر وجودها؟ وإذا كانت علاقات القوة فى العالم تمنع اتخاذ أى إجراء ضد نظام فصل عنصرى سبق لهذا العالم أن واجه مثله فى جنوب إفريقيا، فهل يستكثر الأمين العام مجرد الحديث عن هذا النظام فى تقرير تتبناه إحدى إدارات المنظمة التى يقف على رأسها؟
ألم يكن بإمكان الأمين العام للمنظمة الدولية أن يتجاهل «الفرمان» الأمريكى؟ وهل تشمل واجباته المنصوص عليها فى ميثاق المنظمة أن ينحنى أمام الأقوياء؟ وألم يكن بمقدوره أن يرفض مثلما فعل د. بطرس غالى منذ 21 عاماً ودفع ثمن موقفه؟ وهل يصح ــ والحال هكذا - التماس أى عُذر لمن يضع مصلحته الخاصة فوق كل اعتبار؟.