بقلم د. وحيد عبدالمجيد
إذا صح ما نشرته إحدى الصحف الخاصة عن وقف أستاذ فى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بعد اتهامه بالإلحاد، فهذا يعنى أننا إزاء مستوى جديد من التردى فى مستنقع التطرف المصحوب بتخلف عقلى. وأقول «إذا صح» لأن النبأ يتجاوز الخيال، فضلاً عن أنه منشور فى صحيفة لا تتمتع بصدقية كافية.
ومع ذلك قد لا يكون مدهشاً أن يصل التدهور العقلى إلى حد اتهام أستاذ يُدَّرس العقيدة فى جامعة الأزهر وحصل على درجة الدكتوراه منها بالإلحاد. فهل كان يُعَّلم الأجيال التى درست على يديه إلحاداً، ولماذا لم يصبح آلاف، وربما عشرات الآلاف، من الطلاب الذين علَّمهم ملحدين؟!
لم يسأل من اتهموا الرجل بالإلحاد أنفسهم هذا السؤال، وأسئلة منطقية أخرى كثيرة لابد أن تتبادر إلى الذهن، رغم أن «السؤال البحثى» هو الأساس الذى تقوم عليه الدراسة العلمية، ورغم أنهم درسوا ثم درَّسوا ماداموا يعملون فى جامعة. ولكن واقع الحال أن البحث العلمى أصبح روتينياً يعتمد على إعادة الإنتاج بلا تفكير أو أسئلة جديدة تدفع اليه.
ولذلك فليس مدهشاً أيضاً أن يكتب أستاذ آخر عن الإلحاد ، فإذ به مزيج من المحقق الجنائى والطبيب النفسى. فبدلاً من أن يكتب تحليلاً علمياً، أطلق وابلاً من الاتهامات لمن وصفهم بالملحدين، وأفتى بأنهم مرضى مصابون بالهستيريا أو البارانويا أو الاضطراب الوجدانى، وأن بينهم من يرتبطون بأجندات (لاحظ أجندات هذه) علنية وسرية، وأن بعضهم يبحثون عن الشهرة.
وما يجمع متهمى أستاذاً أزهرياً بالإلحاد، ومن اتهم الملحدين بكل ذلك، هو عدم إدراك الموضوع من حيث الأصل. ولكن مشكلة متهمى الأستاذ الأزهرى أن عقولهم أُغلقت إلى حد أنهم يُكَّفرون أى مختلف معهم حتى لو كان زميلاً لهم يعرفونه. أما مشكلة من اتهم الملحدين بجملة الاتهامات المشار إليها فهى عدم إدراك أن معظم من أسسوا صفحات أو مدونات إلكترونية «إلحادية» ليسوا إلا غاضبين على واقع لا يجدون لهم مكاناً فيها0 فهم ليسوا مرضى ولا باحثين عن شهرة، بل متمردون بطريقة غير مألوفة.
وشتاَّن بين هذا التمرد الشبابى الجامح والإلحاد الفلسفى الذى يقوم على قدر معين من المعرفة والتأمل والبحث.