بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
مازال إغلاق صحيفة "السفير" يثير جدلاً فى الأحاديث البيروتية رغم مرور نحو شهرين على توقفها عن الصدور.سمعتُ فى بعض الجلسات، خلال زيارتى لبنان قبل أيام، جانباً من هذا الجدل حول الرواية الشائعة التى تفسر إغلاق «السفير» بعدم قدرتها على توفير الموارد المالية اللازمة فى ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الطباعة وانخفاض معدلات التوزيع. وهناك روايات أخرى أقل انتشاراً تدور حول خلافات داخل عائلة مالكها الصحفى الكبير طلال سلمان بشأن طريقة إدارتها.
غير أن الرواية المتعلقة بالأزمة المالية وصعوبة معالجتها تظل أقوى، وخاصة حين نذكر أن هذه الأزمة كادت تؤدى إلى إغلاق الصحيفة أكثر من مرة فى السنوات الأخيرة. وفى كل مرة كان هناك جدل بشأن تفسير استمرارها بعد أن بدت قاب قوسين أو أدنى من الإغلاق.
ولكن قضية «السفير» ليست إلا جزءا من أزمة عامة تواجه الصحافة الورقية المطبوعة فى العالم كله، وليست فى منطقتنا وحدها، بعد التغيير الجوهرى الذى أحدثته ثورة الاتصالات فى أنماط الحياة. بدأت الأزمة، أو مقدماتها، بتطور البث التليفزيونى من الأرض إلى الفضاء. وأصبح كل ما يحدث فى أرجاء المعمورة فى متناول مشاهدى القنوات الفضائية بشكل فورى. ولكن الأهم من ذلك أن الإعلام انتقل من عصر الكلمة إلى عصر الصورة بجاذبيتها وسحرها، حيث أصبحت صورة واحدة أكثر تأثيراً من آلاف الكلمات.
وازدادت الأزمة عندما أتاحت مواقع التواصل الاجتماعى فرصة لكل شخص أن يكون «صحفياً» ينقل الخبر بالكلمة والصورة، ويُعلق عليه، ويتفاعل معه. وفى كثير من الأحيان يسبق أشخاص عاديون الصحافة الورقية المطبوعة فى نقل أحداث يتصادف وجودهم فى مسرحها، ويستخدمون كاميرات هواتفهم المحمولة فى التقاط صور فورية لهذا الحدث أو ذاك. كما أتاحت الثورة الرقمية إمكانة إنشاء أعداد لا تُحصى من الصحف الإلكترونية بتكلفة أقل جدا، وقدرة أكبر على المتابعة والتحديث لحظة بلحظة، الأمر الذى دفع معظم الصحف الورقية إلى تأسيس مواقع إلكترونية.
ولكن رغم أن أزمة الصحافة الورقية تبدو مستحكمة على هذا النحو، فهى ليست مستعصية بل قابلة للحل عبر تفكير جديد خارج الأطر التقليدية سعياً إلى مواكبة تطورات ثورة الاتصالات والمتغيرات التقنية المترتبة عليها.