بقلم د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى العجائب التى نقرؤها ونسمعها فى تفسير انتشار التطرف الدينى، وكيفية تحوله إلى إرهاب. ونجد أكثر الغرائب عندما يهرب البعض من الإقرار بعوامل التطرف التى صارت معروفة بعد أن خضع هذا الموضوع للبحث العلمى على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ويبحثون عن أسباب أخرى بعضها ثانوى يتوقف أثره على تلك العوامل، بينما البعض الآخر لا محل له فى الموضوع أصلا. ومن أغرب هذه الأسباب ما يقال من وقت الى آخر عن سفر ملايين المصريين المسلمين إلى الخليج، وسفر مئات الآلاف من الأقباط إلى أوروبا وأمريكا واستراليا.
ولكى نعرف مدى وزن عامل من العوامل فى تأثيره على ظاهرة ما من الناحية المنهجية، نقيس نسبة من تأثروا بهذا العامل مقارنة بمن لم يتأثروا رغم أنهم تعرضوا للمؤثرات نفسها. وعندما نجد أن الذين تطرفوا بعد سفرهم إلى الخليج أو الغرب نسبة لا تُذكر مقارنة بمن سافروا، ينبغى استبعاد هذا العامل أو اعتباره ثانويا، أو شديد الثانوية، لأننا نتحدث عن بضعة آلاف من بين عدد لا يُحصى ممن سافروا إلى الخليج منذ السبعينيات، وبضع مئات من بين مئات الآلاف الذين سافروا إلى الغرب.
ولا يقل أهمية عن ذلك أن من تطرفوا أو تعصبوا سواء مسلمين أو مسيحيين كانوا مهيئين لذلك عند سفرهم، بخلاف غيرهم الذين لم يصبحوا متطرفين. ومعنى ذلك ببساطة شديدة أن العوامل الدافعة إلى التطرف توجد فى البيئة المجتمعية الثقافية التى ينشأ فيها الإنسان، سواء سافر وتفاعل مع بيئة أخرى أو لم يسافر. ورغم عدم وجود دراسة مخصصة فى حدود علمى لبحث نسبة من سافروا هنا وهناك فى أوساط المتطرفين، تتضمن دراسات كثيرة عن التطرف معلومات عن خلفيات الذين انضموا إلى جماعات العنف منذ السبعينيات، وتتيح معرفة أن معظم من سافر منهم كانت وجهتهم أفغانستان التى لم يزوروا أى بلد قبلها، أو بلاد أخرى توجهوا إليها هربا من الملاحقة هنا بعد أن أصبحوا إرهابيين مطلوبين.
ولذلك فبدلا من الاستغراق فى أسباب وهمية للتطرف، يجدر بنا العمل لإصلاح أوجه الخلل فى البيئة الثقافية والمجتمعية والسياسية، حتى لا يصل بنا الأمر إلى رفع شعار هزلى مثل «فى السفر تطرف قاتل».