بقلم د. وحيد عبدالمجيد
غريب أمر هذا العالم. يظن من يتابع طقوس عيد الحب «فالنتاين»، الذى يحل مرة أخرى اليوم، أن الأصوات التى تُحرَّض على كراهية الآخر ترتفع فى كوكب بعيد. لا تقتصر هذه الأصوات على منطقتنا التى تحصد حروبها الأهلية وصراعاتها العنيفة أرواحاً، وتُخرَّب أخري. ترتفع أصوات كراهية الآخر الآن فى الغرب الذى سبق العالم إلى ثقافة التسامح وقبول الاختلاف. شهد العام الذى مضى منذ 14 فبراير 2016 انحساراً غير مسبوق لهذه الثقافة فى قطاعات متزايدة من المجتمعات الغربية. ولذلك أصبح المشهد يدل على أننا ذهبنا إلى زمن الجنون مرة أخرى بطريقة مختلفة عن سابقاتها التى شهد النصف الأول من القرن العشرين آخر تجلياتها فى حربى 1914-1918، و 1939-1945.
ومع ذلك يحتفل من تمتلئ قلوبهم بكراهية المختلفين معهم سياسياً أو دينياً أو مذهبياً أو عرقياً بـ«فالنتاين». ويغرق بعضهم فى طقوس هذا اليوم كما لو أن قلوبهم تنبض خيراً وجمالاً وتسامحاً. وهم يشبهون أولئك الذين لا تعدو الأديان لديهم طقوساً شكلية يؤدونها بطريقة آلية فى أماكن العبادة وغيرها، ثم يجعل هذا أو ذاك منهم دينه حاجزاً مع الآخر، ودافعاً إلى قتله أو إقصائه أو الحط من شأنه.
كارهو الآخر المختلف لا يمكن أن يحبوا أحداً، لأن قلوبهم خاوية مثل أرواحهم. وليس فى إمكان قلوب لا تعرف معنى التسامح على المستوى العام أن تنبض حباً حقيقياً فى المجال الخاص.
يضيق العالم فى زمن الجنون الجديد بأفكار التسامح من جون لوك (1632-1704) إلى كارل بوبر (1902-1994). يبدو التمسك بها اليوم مثل القبض على الجمر. كان كارهو الآخر يجادلون فى مراحل سابقة بأنهم لا يستطيعون التسامح مع من لا يؤمنون بالديمقراطية والحرية. وكان بوبر يوضح عدم إمكان تجزئة التسامح، ويشرح كيف أننا جميعاً قابلون لأن نخطئ، وأن واجب كل منا مقاومة الوقوع فى أسر الشعور البالغ الخطر بأنه الذى يملك الحقيقة دائماً.
أما كارهو الآخر اليوم فهم يكرهون كل من يتخيلون أنه قد يكون خطراً عليهم، ويعاقب بعضهم شعوباً بأسرها، ثم يذهبون للاحتفال ب«فالنتاين». حقاً إنه زمن مجنون أكثر من أى مرحلة مضت منذ أن عرف العالم معنى التسامح، وعلاقته بالحب والخير.