بقلم د. وحيد عبدالمجيد
زيارة الحبر الأعظم البابا فرنسيس إلى مصر ليست عادية. ورسائلها بشأن تعزيز قيمة التسامح، والتعاون فى مواجهة الإرهاب، أكثر من عادية. ولكن الزائر العزيز هو أيضاً شخصية غير عادية. يأتى البابا فرنسيس فى طليعة المدافعين عن العدالة والإنسانية والحوار والتسامح وقبول الآخر والتجديد والتقريب بين الثقافات. ولذلك ليس مبالغةً وصفه بأنه البابا الأكثر تقدمية فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. تأتى زيارته إلى مصر فى مستهل عامه الخامس منذ انتخابه لهذا الموقع المقدس فى مارس 2013، وبعد أن قدم نموذجاً ملهماً لدور رجل الدين من أجل عالم أفضل خلال السنوات السابقة. أخذت ملامح هذا النموذج فى التبلور حين قرر البابا الراحل يوحنا بولس الثانى تعيينه كاردينالا فى الفاتيكان، كان ذلك عام 2011. وأراد بعض محبيه إقامة احتفالات واسعة النطاق، بينما رغب بعض آخر منهم فى مرافقته فى رحلته من العاصمة الأرجنتينية بوينس ايرس إلى الفاتيكان تعبيراً عن محبتهم، ولكنه طلب من الفريقين توفير الأموال التى كانوا مستعدين لإنفاقها فى حفلات لم يجد فيها أى نفع، أو فى سفر لم يجد له داعياً، وتخصيصها لإقامة مشاريع لمساعدة الفقراء. كان ذلك الموقف امتداداً لسلوكه طول حياته، إذ يعد أحد أكثر رجال الدين فى عالمنا إسهاماً فى العمل من أجل تحقيق العدالة، والحد من المظالم والآلام الاجتماعية التى لا يضاهيها فى نفوره منها إلا الحروب والصراعات المسلحة عموماً، وتلك التى يُقحم فيها الدين أى دين بصفة خاصة.
لم يتردد البابا التقدمى فى اتخاذ المواقف المدافعة عن العدالة والإنسانية فى العالم منذ توليه قيادة الفاتيكان. وكان آخر هذه المواقف رده على تشدد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه المهاجرين، وسعيه لبناء سور على الحدود مع المكسيك. فقد انتقده دون مواربة، واستنكر تشييد الجدران للفصل بين البشر بدلاً من مد الجسور وتدعيمها. ومن أكثر النصائح التى يكررها بصيغات مختلفة نصيحة لمن يتباهون بقوتهم ويفرطون فى استخدامها. ومن أقواله الملهمة فى هذا المجال: (كلما زادت قوتكم تضاعفت المسئولية الملقاة على عاتقكم لكى تتصرفوا بتواضع. إن لم تتواضعوا وتتسامحوا ستُحطَّمون قومكم، وستُدمَّرون غيركم). ولذلك نقول للبابا فرنسيس الذى يُشرفنا بزيارته: طوبى لكل من يستوعب رسائلك ويتأمل دلالاتها ويراجع مواقفه فى ضوئها.