بقلم: د. وحيد عبدالمجيد
طال أمد أزمة الشباب فى الغرب والدول الأكثر تقدماً فى العالم. كان الشباب يملأ مجتمعات هذه البلاد حيوية. بلغت هذه الحيوية ذروتها فى ستينات القرن الماضى وبداية سبعيناته، إلى حد أن بعض المفكرين اليساريين تصوروا إمكان أن يؤدى الطلاب الدور الذى كان منوطاً بالطبقة العاملة فى فكر كارل ماركس وأنصاره.
ولكن هذه الحيوية أخذت تتراجع خلال العقود الماضية لأسباب فى مقدمتها التغيير الذى أحدثته الليبرالية الجديدة فى نمط الحياة فى الغرب. حلت السوق محل الأفكار، وطغت الأرقام والحسابات الاقتصادية والمالية على النظريات والأيديولوجيات بمختلف مرجعياتها.
جفت ينابيع الفكر والفلسفة فى الغرب، وذوت روح الشباب، وغابت القضايا الكبرى التى كانت تلهمه وتستوعب طاقاته، وتخبط من حاولوا البحث عن مثل هذه القضايا إلى حد انضمام آلاف منهم إلى تنظيم «داعش» بعد أن أوهموا أنفسهم بأنه يسعى إلى تغيير العالم.
وربما تكون هذه الأزمة هى التى تدفع قطاعات من الطلاب فى بعض الدول الغربية ذات التاريخ الاستعمارى إلى البحث عن قضية فى هذا التاريخ. فقد تشكلت فى العام الجامعى الحالى حركات طلابية فى بعض جامعات هذه الدول للتنديد بالتاريخ الاستعمارى. ولكنها مازالت تفتقد رؤية واضحة فيما يبدو حتى الآن، ولا تعرف ما يمكن أن تفعله بعد التنديد والإدانة.
فقد تركزت مطالب هذه الحركات على إعادة تماثيل منصوبة فى بعض الجامعات للبلاد التى نُهبت منها خلال فترة الاستعمار. وكان آخرها تمثالاً لملكة قديمة فى نيجيريا كان منصوباً فى جامعة كمبردج البريطانية، وتمكنت الحركة الطلابية من إرغام إدارة هذه الجامعة على الموافقة على إعادته. وتسعى الحركة الطلابية فى جامعة اكسفورد إلى إزالة تمثال سيسل رودز الذى يُعد أحد رواد الاستعمار البريطانى.
ورغم أن محاولة إحياء روح الشباب فى بعض الدول الأوروبية تبدو متواضعة على هذا النحو، فهى تمثل موقفاً إيجابياً أفضل بكثير من الانزلاق إلى التطرف أو الشعبوية، على النحو الذى يحدث فى الولايات المتحدة عبر انحياز قطاعات من الشباب إلى المرشح الرئاسى المحتمل دونالد ترامب الذى يمثل خياراً انتحارياً بائساً. فعندما يتراكم الغضب بطريقة سلبية يؤدى إلى اغتراب، ويدفع إلى خيارات قد تكون مأساوية مثل تأييد مرشح يقول كلاماً خارج إطار «الصندوق» القديم المرفوض من الغاضبين، وقادما من خارج «المؤسسة السياسية» الأمريكية المغضوب عليها.