بقلم صلاح منتصر
اكتشفت أننى لم أزر الاسكندرية منذ عشر سنوات على الأقل ، أما السفر اليها بالقطار فلا أذكر متى كان ، لذلك وجدت نفسى أشبه بالسائح الغريب فى محطة مصر التى مازلت أتذكرها عندما كانت السيارة تقوم بتوصيلى إلى رصيف مدخلها ، فاذا بى أجد موقف السيارات مكان تمثال رمسيس قبل نقله ، والدخول إلى ساحة الانتظار بتذاكر ، أما صالة المحطة من الداخل فقد تحولت الى لوحة فنية واختفت منها المقهى الذى كان الى يمين ساحة المحطة ولى معه ذكريات لاتنسى يوم الجمعة 14 مايو 1948, عندما ذهبت أودع جنودنا المسافرين الى فلسطين . ايه ..تاريخ وقد تحول مكان المقهى الى مكتبة بعد أن اختفى الكشك الكبير الذى كان يتصدر المحطة وكان يشبه جريدة مصر الناطقة التى كانت تجعلنا نذهب الى دور السينما مبكرا لنستمتع بمشاهدتها ، وكان ضروريا أن نتوقف أمام كشك ميدان المحطة لنقلب النظر فى كتبه وصحفه ومقتنياته قبل الدخول الى القطار . وشكرا بأثر رجعى للمهندس جلال السعيد الذى تولى هذا التغيير منذ خمس سنوات على الأقل !
غادرت فى قطار الواحدة الا عشر ظهرا وقد دخل الرصيف قبل خمس دقائق من موعد تحركه ، ولكنه وبطريقة يحفظها الركاب وتعودوا عليها تحرك فى موعده . المقعد مريح والجو لا يحتاج الى تكييف بل تدفئة طبيعية قامت بها أشعة الشمس المتسللة من النوافذ . ومن حسن الحظ ليس هناك أطفال. أطلت النظر فى الصور التى توالت أمامى من نافذة القطار، ووجدت نفسى أصرخ فى صمت موجع : ياعينى عليكى يامصر ؟ أين أرضك الخضراء التى كنا نطل عليها وقد هجمت عليها المبانى القبيحة, الواضح أنها نتاج ثورة يناير التى لايختلف الذين اعتدوا فيها على الأراضى، عن الحرامية الذين سرقوا المواطنين وفتحوا السجون وحرقوا أقسام الشرطة وثبتوا أصحاب السيارات فى الطرق . كلهم لصوص وفاسدون .
لم تتغير العادة التى عرفتها منذ سنوات بعيدة وهى توقف القطار قبل دخوله محطة سيدى جابر فى الذهاب ومحطة القاهرة فى العودة . دائما يركن بضع دقائق دون سبب معروف ولكنها عادة لم تنقطع رغم السنين والأحداث .