بقلم : صلاح منتصر
«إلى جيل قديم شاب، وجيل جديد شاب، وجيل قادم سيشب. إلى الذين يحلمون من أجل مصر . هذه شهادتى عن ماض أرجو أن تساعدهم فى رؤية المستقبل» . بهذه الكلمات بدأت صفحات كتاب متواضع فى 144 صفحة من الحجم الصغير ، صدر عن أخبار اليوم تحت عنوان « شهادتى على عصر عبد الناصر».
وأعرف مقدما أن هناك من سيضعنى من قبل قراءة الكتاب، فى دائرة التنشين خصوصا أننى أدلى بشهادتى فى شهر مفروض أن تنطلق فيه الزغاريد والأفراح احتفاء بذكرى ثورة يوليو المجيدة عام 52 التى جرى فى وقت اعتبار أن تاريخ مصر بدأ من عندها وأن كل ماسبق كريه وفاسد، وما بعدها مجد وانتصارات .
ويشهد الله كما سجلت فى شهادتى أننى لم أحب زعيما كما أحببت جمال عبد الناصر فقد كان الرجل الذى بدأت مع بدايته مشوارى الصحفى. ولسنوات طويلة تخصصت فى تلخيص خطبه فى صدر صفحات الأهرام مؤمنا ومصفقا لما يقول، إلى أن جاءت صدمة 67 وتكشفت حقائق كانت أمامنا ولا نراها، جعلتنى أفكر فى القداسات التى آمنت بها وأن أستعيد ماعبر عنه بعبقرية بالغة كاتبنا الكبير توفيق الحكيم «الوعى المفقود»!.
ولا شك أن عبد الناصر كان إنسانا نزيها ومتطلعا إلى إصلاح بلده ولقى تفويضا من شعبه لم ينله حاكم آخر، ولكن لأسباب تستحق الدراسة حفرت قراراته أغوارا عميقة فى أساسات المجتمع لكنها للأسف لم تصلحه وظلت آثارها عالقة إلى اليوم. فمشكلة الإسكان مثلا التى عانيناها سنوات طويلة كانت نتيجة خفض الإيجارات، وتفتيت الأرض الزراعية وتجريفها كان نتيجة الإصلاح الزراعى، والاعتماد على الوساطة والمحسوبية كان أساسه أهل الثقة، والتأميمات والحراسات صاحبها ضرب القطاع الخاص واعتبار كل مكافح وصاحب مشروع ناجح مستغلا ولصا، والحل الاشتراكى الذى ثبت فشله فى جميع الدول التى اختارته كان أساس حكم الخداع فى مجالات عديدة مازلنا نعانيها .. وغير ذلك مما لا تتسع له المساحة ولكن تبقى الفرصة للتأمل فيها .