بقلم: د.أسامة الغزالى حرب
الجدال غير المسبوق الذى شهدته الساحة المصرية حول قضية جزيرتى تيران و صنافير كان كاشفا لحقائق كثيرة تتعلق بالطريقة التى نفكر بها نخبة وشعبا و دولة فى قضايانا القومية، و هى طريقة لا تبعث- فى تقديرى – على الارتياح! إن انقسام الرأى حول القضايا السياسية هو مسألة متصورة، بل هو أمر طبيعى و بدهى فى الدنيا كلها، خاصة بشأن المعاهدات و الاتفاقيات التى تعقد بين الدول. ولم يعرف العالم قط اتفاقية او معاهدة حظيت باجماع كامل من أى من طرفيها ، أو بموافقة أو رفض بنسبة مائة فى المائة من الشعب أو الراى العام...إلخ و ربما كان من أبرز الأمثلة هنا فى بلد من أعرق بلاد الدنيا فى الديمقراطية ، إن لم تكن أعرقها ، وهى بريطانيا، ذلك الانقسام الكبير و المستمرهناك حول انضمام أو عدم انضمام بريطانيا إلى اتفاقية السوق الاوروبية المشتركة، فهناك من يرى من الشعب البريطانى أن انضمام بلده إلى تلك الاتفاقية سوف يعطيها مزايا اقتصادية كبيرة، و هناك من يرى أن ذلك الانضمام سوف يفقد بلاده حرية حركتها و يؤثر على مصالحها الاقتصادية، و هذا الانقسام بين الموقفين موجود و مستمر منذ تأسيس السوق الاوروبية المشتركة فى 1957. هناك بالطبع اختلاف بين طبيعة مشكلة السوق الاوروبية وطبيعة مشكلة تيران وصنافير، ولكنى أقصد الطريقة التى نمارس وندير بها خلافاتنا. وأكرر هنا أن الانقسام الذى نشهده بشأنهما أمر صحى و منطقى و دليل على حيوية الرأى العام ولكن ما يثير القلق هو أشياء اخرى مثل أن جانبا من الرافضين للاتفاقية هم من معارضى الرئيس السيسي، وبالتالى هم يرفضون ما يقبله، ويقبلون ما يرفضه، ثانيا أن رفض الاتفاق يثير أيضا مسالة انعدام الثقة فى المؤسسات الرسمية مثل وزارة الخارجية التى اعتقد أنها جديرة بالثقة فى كفاءة كوادرها الدبلوماسية و القانونية، وأيضا فى وطنيتهم!وثالثا أن البعض يرفض الاحتكام للوثائق و القوانين على اساس أن "الشعور الوطني" لا بد و أن يدفع للقول بمصرية الجزيرتين، ايا كانت المبررات و الاسباب ، ولكنى ببساطة لا أوافق على هذا المنهج، أيضا انطلاقا من شعورى الوطنى ومن ولائى لبلدى و لمصالحها العليا!