بقلم - مكرم محمد أحمد
لا أعرف إن كان الشعار الذى رفعه الأزهر الشريف «الإسلام والغرب تنوع وتكامل» عنواناً لندوته الدولية حول العلاقة بين الإسلام وأوروبا يعكس أملاً حقيقياً يمكن أن ننتظره ونسعى إليه رغم المصاعب العديدة على طريق الحوار بين الإسلام والغرب التى تحدث عنها الإمام الأكبر الشيخ الطيب فى افتتاح ندوته الدولية، التى شهدها عدد غير قليل من حكماء الشرق والغرب فى مقدمتهم رؤساء جمهوريات سابقون لدول إسلامية وغربية ورؤساء وزراء لحكومات غربية وإسلامية، وجمع من مشاهير العلماء المتخصصين فى قضية العلاقة بين الإسلام والغرب، وأصحاب مواهب هائلة وعلم جم من الأكاديميين البارزين، وممثلين كبار لشركاء عالميين مثل مجلس الكنائس العالمى وأسقفية كانتربرى، وجمع فاضل من علماء المسلمين، جاءوا جميعاً يأملون فى رأب الصدع بين المسلمين فى الغرب والغربيين عموماً بعد أن نجح المتطرفون فى زرع الشقاق بين الجانبين، رغم أن الإسلام ليس بغريب على الغرب، ولا يمثل مجموعة من المعتقدات الدخيلة عليه، ولكنه الآن الديانة الثانية فى أوروبا، يعتنقه عدد كبير من المواطنين فى العديد من البلدان الغربية..، ومع الأسف استغل سياسيون شعبيون مخاوف السكان الغربيين من الإسلام الوافد وأسرفوا فى انتقاد سياسات الهجرة وقضايا التعددية الثقافية التى كانت من صميم القيم الأوروبية، تسود المجتمع الأوروبى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وأصبحوا يقدمون الإسلام كدين تطرف وتعصب بعيداً كل البعد عن السلوكيات المتأصلة فى الدين الإسلامى السمح، التى يشهد عليها تاريخ المسلمين فى العصور الوسطى من الأندلس إلى الهند ومن آسيا الوسطى إلى إفريقيا عبر تاريخ طويل يقترب من ألف عام، كان المسلمون خلالها يقودون حضارة العالم بينما تعيش أوروبا فى ظلام دامس.
الهدف إذن مناقشة أمر العلاقة بين الإسلام والغرب فى هذا المحفل المهم مناقشة تقوم على المصارحة والمكاشفة، وتأخذ فى الحسبان الظروف القاسية التى تعانيها شعوبنا فى الشرق أملاً فى أن يُسفر اللقاء على أمر جامع يُنقذ عالمنا المُعاصر من مخاطر الصراع والتوتر وكل صور الحروب الباردة والساخنة التى تهدد عالمنا، وحسناً أن اختصر الشيخ الجليل أحمد الطيب شيخ الأزهر, الطريق، عندما أكد أن الشرق، أدياناً وحضارات، ليست له أى مشكلة مع الغرب بمفهومه المسيحى المتمثل فى مؤسساته الدينية الكبرى أو بمفهومه كحضارة علمية مادية، لأن الإسلام يحترم ويعترف بكل الأديان، ويؤمن بالعلم أيا كان موطنه، يشهد على ذلك قديماً حضارة الأندلس بثقافاتها الثلاث التى جمعت اليهودية والمسيحية والإسلام بما يؤكد إمكان التقارب بين الأديان الثلاثة الذى حدث فى الأندلس ويمكن أن يحدث مرة أخرى، كما يشهد على ذلك انفتاح الأزهر الشريف حديثاً على كل المؤسسات الدينية الكبرى فى أوروبا، وزيارة البابا فرانسيس لمصر فى أبريل الماضى ومشاركته فى افتتاح مؤتمر الأزهر العالمى، والعديد من الزيارات المتبادلة بين الأزهر ورئيس أساقفة كانتربرى ومجلس الكنائس العالمى والكنيسة البروتستانتية فى ألمانيا.
وقد ألقى الإمام الأكبر على حضور مؤتمر الإسلام والغرب السؤال الصحيح عندما سألهم بعد سرد تاريخ حضارة الإسلام، أين إذن هذا الإسلام المنغلق على نفسه، المحبوس فى ماضيه الذى يُشكل أتباعه خطرا ماحقا على حضارة الغرب ومنجزاته الكبرى؟! وهل تملك شعوب المسلمين مصنعا واحدا من مصانع أسلحة الدمار الشامل أو مصدرا من مصادر القوة الرادعة التى يمكن أن ترعب القوى الكبرى؟!. ليست هناك مشكلة بين الإسلام والغرب وليست هناك مشكلة بين الإسلام والديانات الكبرى الثلاث، لأن الإسلام يعترف بكل الديانات والرُسل، ويؤمن بتعارف الثقافات والحضارات وتكاملها وليس صدامها، ويحض على تبادل المنافع بين الأمم، المشكلة الحقيقية فى قوة الهيمنة لدى دول الغرب التى يملؤها الشعور بحقها فى السيطرة على الآخرين وتسخيرهم لتحقيق مصالحها انطلاقاً من اعتقادها الزائف بأنها الحضارة الأرقى صاحبة الحق المطلق فى سيادة الشعوب وقيادتها.
تحية كبيرة إلى الشيخ الجليل أحمد الطيب الذى نجح بالفعل فى أن يُعيد إلى أذهان الغرب والعالم صورة الإسلام السمح الذى يقبل بالآخر ويعترف بحقوقه ويحرص على اللقاء معه وحواره، ليس فى مجرد خطاب يُقرأ فوق المنابر، ولكن من خلال عمل دينى علمى حضارى عصرى دؤوب، يتصدى بشجاعة للإرهاب والعنف، وينجح فى تحويل الأزهر، شيخ جامعات العالم، إلى قوة حوار بناء تُشكل أهم قوانا الناعمة الآن، تدعو للتقارب والتعارف والتآخى وتبادل المنافع بين الأمم دون هيمنة على الآخرين، ليرسم الطريق الصحيح لحوار الأديان والحضارات.
نقلا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع