بقلم : مكرم محمد أحمد
من ثوابت مصر السياسية، التزامها القوى بقرارات الأمم المتحدة، سواء فى ذلك قرارات مجلس الأمن الواجبة التنفيذ إذا لم تستخدم الولايات المتحدة أو أى من الدول الدائمة العضوية حق الفيتو، أو قرارات الجمعية العامة غير الملزمة، واحترامها الشديد ميثاق المنظمة العالمية باعتباره أساساً للسلم والأمن الدوليين، ولا عجب فى ذلك لأن مصر واحدة من الدول المؤسسة للأمم المتحدة، وظّفت دورها فى المنظمة الدولية لمصلحة أمن العالم وسلامه، ولعبت فيها دور المتحدث باسم الدول النامية غير المنحازة وباسم الدول الإفريقية ودول الجنوب من أجل تحقيق التوازن بين مصالح دول الجنوب ومصالح دول الشمال، وهى من أكثر دول العالم إسهاماً فى قوات المراقبة الدولية وحفظ السلام، وما من قرار مهم صدر عن الأمم المتحدة لم تلعب فيه مصر دوراً مهماً، وربما يكون أشهر هذه القرارات، قرار مجلس الأمن الأخير الذى رفض الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل كما رفض قرار الرئيس الأمريكى ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعتبره قراراً أحادى الجانب منعدماً لا ينتج أثراً وهو القرار الذى حصل على تأييد 14 عضواً من الأعضاء الـ15 لدول مجلس الأمن، وحصل على 128 صوتاً فى الجمعية العامة بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو مقابل 9 أصوات معارضة !
وعلى امتداد العامين الماضيين شغلت مصر منصب عضوية مجلس الأمن وتولت رئاسة المجلس مرتين وكانت كعهدها عضواً نشيطاً شارك فى اعتماد 137 قراراً و26 بياناً رئاسياً خلال عضويتها لمجلس الأمن التى بدأت فى يناير عام 2016 وتنتهى فى يناير عام 2018 مع بدء العام الجديد .
جاءت قضية مكافحة الإرهاب على رأس أولويات مصر عندما رأست مصر دورة مجلس الأمن فى مايو 2016 وتولى سامح شكرى رئاسة المجلس داعياً الدول الأعضاء إلى أن تضع فى صدر اهتماماتها الجانب الفكرى والعقائدى فى مجال مكافحة الإرهاب، وبالفعل شاركت أكثر من 70 دولة فى مناقشات مثمرة استهدفت كشف أبعاد هذه الأيديولوجيات الخطيرة بما أدى فى النهاية إلى اعتماد مجلس الأمن بالإجماع قراره رقم 2354 حول مكافحة الخطاب الإرهابى الذى استنكر خطاب الكراهية الذى يدعم العنف وأكد ضرورة تجريمه على جميع دول المجتمع الدولى .
وظّفت مصر أيضاً عضويتها فى مجلس الأمن خلال العامين الأخيرين من أجل دعم كل جهد من شأنه إنهاء الحرب السورية ورفع المعاناة عن الشعب السورى الذى دمر الإرهاب مدنُه ودوره وأسواقه التاريخية فى حلب وحمص وحماة ودير الزور وغوطة دمشق ودعت مصر إلى ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة والأرض السورية ورفض كل محاولات قسمة الشعب السورى وسعت جهدها باعتبارها المسئول عن الملف الإنسانى فى مجلس الأمن بالاشتراك مع إسبانيا ونيوزيلندا والسويد واليابان من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق التوتر والنزاعات فى سوريا، وفيما يتعلق بالوضع فى ليبيا جاءت مناقشات مجلس الأمن لتؤكد محورية الدور المصرى فى تعامله مع هذا الملف، انطلاقاً من ضرورات المصالحة بين شرق ليبيا وغربها وجنوبها، وتوحيد جهود حفتر والسراج، وأهمية وحدة القوات المسلحة تحت إدارة مدنية ودعمها ورفع الحصار عن إمدادها بالسلاح والمؤن والذخائر حفاظاً على وحدة الدولة والأرض الليبية، وخلاصاً من عصابات الإرهاب والمرتزقة التى تحكم معظم مدن الغرب فى ليبيا .
ولا يقل أهمية عن ذلك الدور الذى لعبته مصر خلال عضويتها بمجلس الأمن فى نصرة قضايا إفريقيا والتعبير عن شواغل القارة وأولوياتها سواء ما تعلق بجنوب السودان وتعزيز استقرار منطقة البحيرات ودعم جهود التسوية السلمية فى بوروندى وتحقيق استقرار الكونغو الديمقراطية وتخفيف العقوبات عنها .
ويبقى مسك الختام لدور مصر فى مجلس الأمن فى مشروع القرار التاريخى الذى لقى قبول العالم أجمع سواء فى مجلس الأمن أو الجمعية العامة بشأن الوضعية القانونية لمدينة القدس .