بقلم :مكرم محمد أحمد
وصلت التهديدات المتبادلة بين الرئيس الأمريكى ترامب وزعيم كوريا الشمالية «كيم جونج أون» إلى ذروتها بإعلان الرئيس الأمريكي، أن واشنطن سوف تواجه استفزازات الرئيس الكوري بالغضب والنار بصورة لم يشهد لها العالم مثيلا !، بينما اتهم الرئيس الكوري الرئيس ترامب بأنه يعيش في حالة غيبوبة لا يدرك معها أن صواريخ كوريا الشمالية يمكن أن تصيب أهدافها المنشودة على أرض الولايات المتحدة ذاتها !، بما يشير إلى أن العالم ربما يكون على شفا حرب عالمية ثالثة يمكن أن تنشب في الخليج الكوري وتمتد إلى العالم أجمع ، يجرى فيها استخدام السلاح النووي على نطاق واسع ! غير أنه سرعان ما أدرك العالم أننا إزاء حرب كلامية بين رجلين يعانيان فرط «العنطزة»
وجنون العظمة بعد أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» تصريحات ترامب أن الرئيس تحدث باللغة الوحيدة التي يفهمها الرئيس الكوري ولكن على الأمريكيين أن يتمتعوا بنوم هادئ لأنه ليس هناك ما يقلق! وزاد من اقتناع العالم بأن تهديدات ترامب بالغضب والنار مجرد كلام على الهواء. إن هذه التهديدات لم يصحبها أي تحرك من الأسطول الامريكى في الخليج الكوري يؤكد جديتها وخطورتها، كما هي العادة ، ولم يتوافق معها إعلان حالة الطوارئ فى أى من القواعد الأمريكية القريبة من الساحل الكورى سواء فى كوريا الجنوبية أو اليابان الحليفين الأساسيين للولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا.
وإذا صح أن تهديدات الرئيس الأمريكى جاءت ردا على استمرار كوريا الشمالية فى تجاربها النووية والصاروخية التي أكدت حقيقتين أساسيتين ، أولاهما نجاح كوريا الشمالية فى تقليل حجم ووزن قنبلتها النووية بما يمكن الصواريخ الكورية من حملها إلى أهداف بعيدة ، وثانيتهما أن كوريا الشمالية نجحت أخيراً وبعد طول تجارب فاشلة في إنتاج صواريخ عابرة للقارات يصل مداها إلى بضعة آلاف من الأميال يمكن أن تضرب على سبيل المثال مدينتي سياتل وسان فرانسيسكو على الساحل الغربي لأمريكا ، كما تملك كوريا قدرة صاروخية تمكنها من أن تضرب أي هدف في كل من كوريا الجنوبية واليابان ، فإن الصحيح أيضا أن وزير خارجية أمريكا ريكس تيلرسون كان قد حقق فى مؤتمر الأمن الذى انعقد في الفلبين إنجازا مهماً كفيلاً بأن يهدئ غضب ترامب ويطفئ ناره ، عندما تمكن تيلرسون من إقناع كل من الصين وروسيا الحليفتين الأساسيتين لكوريا الشمالية بأن ينضما إلى قائمة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على كوريا الشمالية نتيجة تكرار تجاربها الصاروخية والنووية على مدى العام الأخير، والتي تمثلت في فرض المزيد من القيود على صادراتها من الفحم والحديد إلى الخارج لإضعاف مواردها المالية ..، وهذا فى حد ذاته إنجاز مهم يمثل ضغطا شديدا على الرئيس الكوري شاركت فيه كل من روسيا والصين ربما يفسده تهديدات ترامب وتغريداته على تويتر التي غالبا ما يسيطر عليها الرغبة فى استعراض القوة بصرف النظر عن جدواها الحقيقية!
وما زاد من حجم المفارقة بين مواقف الرئيس ترامب المتشددة تجاه كوريا الشمالية ومواقف أعضاء إدارته الأكثر اعتدالا ، انحياز وزير دفاعه جيمس ماتيس إلى الحل الدبلوماسي بدلا من التهديد باستخدام القوة بما ساعد على قسمة الرأي العام الأمريكي إلى أغلبية ترفض تهديدات ترامب وتعتقد أنها حماقة كبرى وتعلن رغبتها في حماية الولايات من حماقات الرئيس ترامب التي يمكن أن تشعل حرباً نووية بسبب سوء التقدير وأقلية تنحاز إلى مواقف ترامب الاستعراضية التى لا تساعد كثيرا على بناء هيبة الولايات الممكن وتعزيز احترامها في العالم أجمع.