التدمير الذاتى
آخر تحديث GMT 21:12:46
 فلسطين اليوم -

التدمير الذاتى

 فلسطين اليوم -

التدمير الذاتى

عمرو الشوبكي

اعتاد العالم العربى أن يتحدث عن مؤامرات الآخرين لتدميرنا، وهو فى جانب صحيح، ولكنه يمثل نصف الحقيقة، لأن النصف الآخر نتحمله نحن بأفعالنا وبقدراتنا على تدمير أنفسنا سواء عن طريق نظم فاشلة ومستبدة أو خيارات سياسية كارثية أو حالة من الفوضى العبثية التى تفنن البعض فى ترويجها لتدمير أى إنجاز ولو محدود.

النظرة القاصرة هى التى تغوص فى نظريات المؤامرة ولا ترى إلا الخارج كمسؤول وحيد عن تدميرنا، وهى تساهم فى بقائنا على حالنا، لأن هذا قدرنا الذى خططت له مؤامرات المستعمرين، والوجه الآخر لنفس النظرة يتمثل فى نظريات جلد الذات التى ترى أن كل المصائب هى نتيجة الشعب الجاهل والثقافة البالية والحكام المستبدين.

المؤكد: نحن فى حاجة إلى امتلاك الجرأة فى الحديث عن مسؤوليتنا ومسؤولية الآخرين فيما أصابنا من تراجع، وأن هيمنة خطاب مسؤولية الآخرين ومؤامراتهم على الصراخ السياسى والإعلامى الآن، (وليس النقاش السياسى)، تجعلنا حريصين أكثر على الحديث عن مسؤوليتنا فيما أصابنا من تدهور، دون أن نلغى مسؤولية الآخرين وتآمرهم علينا.

والحقيقة أن أوضاعنا السيئة تطلب تشريحا نقديا حقيقيا لخطاب التدمير الذاتى الذى مارسه كثير منا سواء من النخبة أو من أهل الحكم، وشمل جوانب كثيرة، أولها تمثل فى إفشال الإنجازات، ولو على محدوديتها، فثورة يناير لم ينظر لها باعتبارها نقطة مضيئة فى تاريخ مصر الحديث كان يجب الاستفادة بالطاقات التى أطلقتها من أجل الإصلاح والتنمية والتقدم وليس من أجل الهدم والتخريب أو تفجير حملات التخوين والشتائم فى حق ملايين المصريين الذين شاركوا فيها.

كيف تحول وضع سياسى ملهم للبناء إلى طاقة سلبية جعلت قطاعا ليس بالقليل من المصريين يكره الثورة ويترحم على ما كان قبلها؟! المؤكد أن كل الأطراف مسؤولة عما آل إليه مسار البلاد بعد ثورة يناير سواء من القوى السياسية والثورية أو جماعة الإخوان المسلمين أو سلطة المجلس العسكرى، فجميعا وقعوا فى أخطاء جسيمة أدت فى النهاية إلى تحول كثير من الطاقات الإيجابية التى فجرتها يناير إلى طاقة سلبية للتدمير الذاتى.

والحقيقة أن ثورة يناير كانت تقول إن هناك طاقة ضغط جماهيرى قد فتحت لبدء مسار إصلاحى كانت له نتائج فورية أجهضت مشروع التوريث وأجبرت من بقى فى السلطة 30 عاما على الاستقالة، وأخرى مؤجلة تركت فى يد الفاعلين السياسيين ممن كانوا فى الحكم أو الشارع وأضاعوها معا.

البعض لم يهتم بنبض غالبية الشعب المصرى، وعاش فى «جيتو النشطاء» المغلق، وتصور أنه يخدم الثورة حين عيَّش مصر كلها على مدار أكثر من عام فى فعالياته الثورية التى حاصرت الأقسام ومديريات الأمن والوزارات السيادية، ونسى أو تناسى أن من تركوه يصول ويجول فى الشوارع والميادين والفضائيات المختلفة قد جعلوه مصدرا رئيسيا لخلق رأى عام غالب من المصريين رافض لممارساتهم، وينتظر بأى ثمن من يخلصهم من هذه الفوضى والاستباحة الثورية.

إن تحقيق هدف أقل من طموحات الجماهير يعنى أنك ستبقيها حاضرة معك فى معاركك من أجل الضغط على النظام القائم فى اتجاه إجراء مزيد من الإصلاحات، فى حين أن خطاب الفوضى المستمرة تحت اسم «الثورة الدائمة» يعنى عملياً أنك تفقد تعاطف أغلب الناس، سأماً من التظاهر اليومى والخوف من تفكك الدولة.

التدمير الذاتى لا يشمل فقط التشكيك فى كل احتجاج أو تحرك شعبى يقوم به الناس، فثوراته من 1919 مرورا بيوليو حتى يناير هى مؤامرات خارجية، إنما أيضا امتد ليشمل انتصارات الأمة: شعب ودولة، فى 1956 وأكتوبر 1973، من أجل إفقادك الثقة فى نفسك وفى قدراتك على القيام حتى بانتصارات مثل كل شعوب العالم والتركيز فقط على الهزائم والنكسات.

وامتد التدمير الذاتى إلى أداء كثير من القوى السياسية والحزبية، بعد أن دخلت فى خناقات جانبية وهامشية ليس فقط كما جرى، أمس الأول، أثناء مناقشة قانون الانتخابات، وفى حضور رئيس الوزراء، إنما نتيجة عجز القوى السياسية الرئيسية عن التوافق على برنامج عمل يضمن لها التنسيق فيما بينها من أجل توسيع المجال السياسى وضمان مشاركة أفضل للأحزاب.

حتماً «المكلمة» المكررة منذ عهد مبارك، والتى تقول إن فى مصر 90 حزبا، لا تتفق على شىء كمبرر لحصار العملية السياسية، هو من الأصل تصور قاصر ومنحاز، لأن فى مصر تقريبا 10 أحزاب وتيارات سياسية رئيسية فى اليمين واليسار والإسلاميين هى المطلوب أخذ رأيها فى قانون الانتخابات، وأيضا أن تتوافق على شكل العملية السياسية والانتخابية، وإذا فعلت ذلك فستغير كثيرا من المعادلات القائمة وستعيد الاعتبار للأحزاب والقوى السياسية، لأنها ستعى أن خلافها على الهوامش يدمر وجودها من الأساس، ويجعلها غير قادرة على المساهمة فى تشكيل المشهد السياسى الحالى.

التدمير الذاتى هو آفة متكررة فى تاريخنا وحياتنا السياسية والاجتماعية، وهى قد تأتى من القوى أو النظم المنوط بها البناء، فنكتشف أنها فى كثير من الأحيان لا تدمر فقط خصومها، إنما تدمر أنفسها، وربما تدمر معها طموحات وطن وأمة مازالت ترغب فى بناء نظام سياسى جديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التدمير الذاتى التدمير الذاتى



GMT 11:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 11:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 11:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 11:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 11:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday