بقلم - عمرو الشوبكي
تعجب البعض من الاهتمام العالمى بجريمة مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى فى قنصلية بلاده، وتساءل البعض الآخر عن مغزى هذا الاهتمام وأرجعه لنظرية المؤامرة الكونية على العرب والسعودية، أو لازدواجية معايير الغرب الذى تجاهل جرائم أكثر قسوة فى فلسطين وسوريا والعراق واليمن ومسك فى قضية خاشقجى.
والحقيقة أن هذا الكلام يعكس نظرة شديدة السطحية (إذا افترضنا استقلالية وحسن نية قائله)، فالإعلام والصحافة العالمية اهتمت بجريمة قتل خاشقجى لأنها أولا نوع من الجرائم اختفى تقريبا من العالم الديمقراطى ونصف الديمقراطى وغير الديمقراطى، ونحتاج أن نعود بالتاريخ لقرن حتى نجد حوادث مشابهة فى فجاجتها وغشمها، وثانيا أن جمال خاشقجى يعمل فى صحيفة أمريكية (الواشنطن بوست) وهنا انتقل من حالة الكاتب السعودى المحلى إلى الكاتب العالمى الذى ينال حصانة عالمية واهتماما دوليا.
وعلينا أن نتذكر كيف اهتمت الإدارة الأمريكية بآية حجازى الأمريكية ذات الأصول المصرية واستقبلها ترامب فى البيت الأبيض، ولم يهتم بنفس الدرجة بمحبوسين آخرين لأنه ببساطة انحاز لمن هم محسوبون علية سياسيا وثقافيا، وليس بمنطق العمالة كما يروج البعض.
خاشقجى جزء من الحالة الغربية الأمريكية، درس الصحافة فى أمريكا يتكلم الإنجليزية بطلاقة لديه إقامة دائمة فى أمريكا ويعمل فى إحدى كبرى صحفها، ولو كان بروفايل جمال خاشقجى تكرر مع س أو ص، X أو Z، لفعلت الصحافة الأمريكية نفس رد الفعل الذى فعلته مع الصحفى الراحل، بعيدا عن التفسيرات التآمرية.
أما مسألة إقحام السكوت الأمريكى على جرائم أخرى وازدواجية المعايير فى مسألة مقتل خاشقجى، والتعامل معه كأنه اكتشاف نادر يعكس خللا كبيرا فى طريقة التفكير، نعم الغرب لديه ازدواج فى المعايير وهو أمر متكرر خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والانحياز الأمريكى الفج لجرائم الاحتلال الإسرائيلى، ولكن المؤسف أيضا أن الأمر لم يعد فقط ازدواجا فى المعايير إنما أصبح يرى مع توجهات ترامب (الذى يؤيده البعض بشدة فى العالم العربى) أننا دول وشعوب فاشلة وغير مؤهلة للديمقراطية (يقول بعضنا هذا الكلام) وأن ما جرى فى سوريا والعراق واليمن وليبيا لا يخص أمريكا ولن تهتم به إنما ستحرص فقط على عدم تدفق اللاجئين ومحاربة الإرهاب، أما ماعدا ذلك من نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان فلم تعد من أولويات أمريكا ولا تيار واسع فى الغرب.
كيف نطالب أمريكا أن تتضامن معنا فى قضايا لم نتضامن نحن فيها مع أنفسنا فنحن نتفرج على ضحايانا وهم بمئات الآلاف فى سوريا والعراق وليبيا وفلسطين، ونطالب الغرب بأن يتضامن نيابة عنا ويستخسر بعضنا أن تدافع الصحافة الحرة (نسبيا) عن رجل عمل معهم وقتل فى قنصلية بلادة بشكل بشع!!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع