الدولة العادلة
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

الدولة العادلة

 فلسطين اليوم -

الدولة العادلة

بقلم عمرو الشوبكي

رد فعل الدولة على جريمة الكاتدرائية كان قويا وحمل كثيراً من الجوانب الإيجابية، خاصة حضور الرئيس مراسم تشييع ضحايا الحادث، وقوة الخطاب الذى ألقى، والتوعد بالثأر من القتلة والإرهابيين، وهو ما هدأ من روع أهالى الضحايا وأعطى انطباعاً بحضور الدولة ولو متأخرة.

ومع ذلك فإن المشهد المهيب لتشييع ضحايا الحادث لم يخف أوجه القصور والخلل السياسى والأمنى وسوء الأداء الذى صار سمة عامة تعانى منها البلاد، خاصة بعد أن ركز على العموميات وحديث المؤامرات الكبرى وتعامل مع تفاصيل المعاناة اليومية على أن «لها رب يعين»، وتُركت لمسؤولين فشلوا فى تخفيفها.

والحقيقة أن الجروح التى أصابت المجتمع المصرى بعضها تتحمله «قوى الشر» (بالتعبير الرئاسى الشهير)، وكثير منها يتحمله سوء الأداء وغياب السياسة وحكم الدولة العادلة، ومهما قيل عن اللُّحمة الوطنية وأننا جميعا يد واحدة فإن الجروح أصابت المؤيدين والمعارضين، وهو تحول مهم ستكون له تداعيات خطيرة إذا ظل الأداء على ما هو عليه.

يقينا الدولة وأغلب الشعب واجهوا الإخوان عقب 3 يوليو بعد تورطهم فى عمليات إرهابية طالت الجميع، وأغمض كثير من المؤيدين للنظام الجديد عيونهم عن تجاوزات وأخطاء حدثت تجاه عناصر أغلبها غير إخوانية لم تتورط فى عنف ولم تحرض عليه ومع ذلك تعرضت للملاحقة والاعتقال، على اعتبار أن مصر كانت فى حرب حقيقية ضد الإرهاب، وأن الدولة المصرية كانت مهددة بالسقوط بضغوط أمريكية فى الخارج وإرهاب تكفيرى فى الداخل، فلا مانع من تقبل التجاوزات حتى لو وصل بعضها لدرجة الفداحة.

واعتبر الكثيرون أنه طالما الاعتقالات العشوائية لم تطل فصيله ولا تياره فلا مانع من حدوثها، إلى أن انتقلت هذه التجاوزات والاعتقالات إلى شباب التيارات المدنية، ومثلت القسوة الشديدة التى تعاملت بها الأجهزة الأمنية مع مظاهرات الدفاع عن مصرية تيران وصنافير واعتقال كثير من الشباب حدا فاصلا بين مرحلتين انتقل فيها قطاع جديد من شباب التيارات المدنية ورموزها من خانة النقد والإصلاح من داخل النظام إلى الرفض والاحتجاج من خارجه.

وبدأ السخط ينتقل إلى قطاع جديد عبر عن نفسه على مواقع التواصل الاجتماعى فى رفض جذرى للسياسات القائمة، بعد أن شعر بأنه غير مسموح له بالتعبير عن رأيه بالتظاهر السلمى أو بالنشاط السياسى، وأن دائرة الملاحقة طالته.

وانتقلت تداعيات غياب الدولة العادلة لشرائح أخرى من المصريين مؤيدة للنظام القائم، خاصة القطاعات الشعبية التى كانت عرضة لجرائم ارتكبها بعض أفراد الشرطة وصُدم الرأى العام بثلاث حوادث وفاة متتالية فى أقسام الشرطة آخرها ما جرى مع مجدى مكين حين مات ضحية التعذيب، كما أكد تقرير الطب الشرعى مؤخرا.

بسطاء المصريين الذين أحب قطاع واسع منهم الرئيس السيسى وأيدوه يتعرضون يوميا لانتهاكات كثيرة مع أنهم لا علاقة لهم بالسياسة، ساعد عليها هذا الخطاب الذى يعتبر أنه ليس مطلوبا فى هذا الوقت نقد الداخلية، لأنها تواجه الإرهاب وتقدم الشهداء (وهو صحيح) مع أن النقد المطلوب هو من أجل إصلاحها واستعادة الحاضنة الشعبية التى وقفت معها فى 30 يونيو وتراجعت الآن.

غياب خطاب الاستيعاب وتقديم البدائل لقرارات رفع الدعم وتعويم الجنيه من أجل تخفيف الأعباء عن هذه الشريحة المجتمعية الواسعة دفعها للغضب المكتوم والإحساس بالتجاهل التام، وكأنه مطلوب منها أن تدفع كل مرة الثمن، وفى نفس الوقت لم تعد تثق لا فى الحكومة ولا البرلمان بعد أن استمعت فقط لخطاب ضرورة التضحية وشعارات «بالإصلاح الجرىء نقصر الطريق» وغيرها من الشعارات المنفصلة عن واقعها.

وجاء تجاهل هموم بسطاء المسيحيين، خاصة فى الريف، والاكتفاء بخطاب الوحدة الوطنية ليساهم فى تكرار حوادث الطرد الجماعى من البيوت والمعاناة اليومية من أجل الصلاة، واستمرار خطاب التحريض والكراهية الذى يبث من قبل بعض المتطرفين فى مقابل حياد الدولة السلبى تجاه كثير من هذه الجرائم، مما عمق من معاناة قطاع واسع من المصريين المسيحيين لايزال يُنظر إليهم من قبل البعض على أنهم مؤيدون فى غالبيتهم الساحقة للرئيس والنظام القائم.

خطاب التهميش والاستبعاد وصل أيضا لقطاع واسع من رجال الأعمال والصناعة، فكم شركة أو رجل أعمال جاد خفض أو نقل نشاطه خارج مصر؟ وكم واحد تحدث عن احتكار الدولة ومؤسساتها السيادية لأنشطة لا تخصها (البعض يقول مبالغا: تقريبا كل شىء)؟، والسؤال: هل نحن فى حاجة للقطاع الخاص أم لا؟ وإذا كانت إجابة الدولة التلقائية نعم، فهل وضعنا بالفعل قوانين تجذب الاستثمار المحلى والأجنبى، أم أن ما يجرى عمليا وبالأرقام هو خروج متكرر لرأس المال وإغلاق مزيد من المصانع ودخول آلاف العاملين لسوق البطالة؟

وحتى العمل الأهلى التطوعى المعتمد على التمويل المحلى تعرض لضربة قوية عقب صدور القانون الأخير الذى لم تعرف عنه الحكومة شيئا، ووافق عليه البرلمان فى بضعة أيام، وصارت مساعدة الناس أو التخفيف من آلامهم عن طريق العمل الأهلى التطوعى يحمل مخاطرة لا تحمد عقباها.

الدولة العادلة هى التى تمسك مسطرة واحدة بعيدا عن الأهواء والتحيزات التى كثيرا ما أغمضت أعينها عن جرائم مكتملة الأركان وإهدار كامل لدولة القانون، لأنها كانت على هوى من يحكمون، فالديمقراطية نعرف أنها مؤجلة، ولكن دولة القانون التى تنظم «البيزنس» والمجال العام والعلاقة بين الأفراد تعرفها الإمارات والصين وماليزيا وغيرها من الدول غير الديمقراطية، ولذا تقدمت وسبقتنا بمئات الأميال، وسنبقى على حالنا طالما ظلت الدولة العادلة نسمع عنها فى الخطاب الرسمى ولا نراها فى الواقع المعيش.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة العادلة الدولة العادلة



GMT 04:16 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تحية للشعب السوداني

GMT 02:15 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

الاقتصاد في مواجهة السياسة

GMT 04:59 2019 الأحد ,12 أيار / مايو

ظاهرة عادل إمام

GMT 03:31 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

وبدأت الجزيرة

GMT 09:27 2019 الجمعة ,15 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 03:11 2015 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحقيبة الصغيرة مكملة لإطلالة المرأة الجميلة في سهرات 2016

GMT 10:00 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

أسباب غير متوقّعة تؤدّي إلى تأخّر الإنجاب

GMT 12:10 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

فيفي عبده تحرص على حضور عزاء الفنان سعيد عبد الغني

GMT 03:33 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

"حماس" تخطط لإعادة فتح معبر رفح والقاهرة لا تعقب
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday