بقلم - عمرو الشوبكي
قد يرى البعض أن دوافع الرئاسة المصرية وراء الخطاب الصارم والحماسى فى التعامل مع الإرهاب هى رفع الروح المعنوية وإظهار صلابة موقف الدولة، وذلك بالمطالبة باستخدام القوة الغاشمة تارة، والرد «بمنتهى العنف» تارة أخرى، وحتى مطالبة رئيس الأركان بالقضاء على الإرهاب فى سيناء فى 3 أشهر، مر نصف المدة ولم يتراجع الإرهاب، بل تجرأ حتى استهدف الأسبوع الماضى مروحية وزيرى الدفاع والداخلية، ثم سقط فى خلال 24 ساعة 20 شهيدا، 6 منهم فى سيناء، والباقى فى محيط كنيسة مار مينا فى حلوان وعلى طريق بنى سويف.
والحقيقة أن حديث القوة مطلوب تجاه العناصر التنظيمية التى تحمل السلاح، فلا أحد يقول إنه يجب مواجهتها بالرقة والحوار، إنما بالقوة العاقلة، وليس الغاشمة، التى تهتم بالمهنية والعلم وجمع المعلومات، والتركيز على محاربة التطرف والمتطرفين وليس السياسة والسياسيين، أما التحدى الحقيقى فيكمن فى البيئة الحاضنة الاجتماعية والسياسية، التى تفرز كل يوم عناصر متواطئة أو منخرطة فى جماعات العنف.
فلم يعد هؤلاء الإرهابيون الجدد يحملون بنية عقائدية عميقة، ولو فى الاتجاه المتطرف مثلما جرى مع تنظيمات التطرف فى سبعينيات القرن الماضى (الجهاد والجماعة الإسلامية)، إنما قشرة دينية متطرفة يخرجونها لحظة القيام بالعمل الإرهابى، فى حين أن تطرفهم الحقيقى والعميق لم يأتِ من تفسيرات منحرفة لنصوص دينية، إنما من روايات انتقام سياسى ضد النظام القائم تروج وسط قطاعات من الناس العادية والشباب وتخلق بيئة حاضنة لهذه العناصر الإرهابية.
إن قضية التطرف والإرهاب ليست أساسا قضية مناهج دينية وأزهر وقلة وعى وأمية، فهذا بالتأكيد يفرز حادثة مثل أطفيح وغيرها من صور التمييز فى حق الأقباط، إنما لا يفرز الإرهاب الجديد من قتل على الهوية الدينية مثل الذى شهدناه منذ انفجار كنيسة البطرسية وكنيستى طنطا والإسكندرية، مرورا باستهداف المسيحيين فى العريش وحافلة المنيا، وانتهاء بالتفجير الأخير، وهنا دخل متغير جديد استهدف الأقباط ليس فقط أو أساسا بسبب التمييز الدينى والطائفى، إنما بسبب رواية سياسية متكاملة الأركان سبق أن بثها داعش فى أحد شرائطه العام الماضى، واعتبر فيها الأقباط (عن باطل) هم ذراع النظام، وأحد أركان الحكم الذى يعتبرونه ظالما و«طاغوتيا».
السؤال الذى لن تجيب عنه القوة الغاشمة هو سؤال لعلماء الاجتماع والسياسة قبل علماء الدين والخبراء الأمنيين: ما الذى دفع مئات الشباب إلى حمل السلاح وتفجير أنفسهم، حتى تحول الإرهاب إلى ظاهرة وليس حالات فردية، وما طبيعة البيئة التى تدفع كل يوم بعناصر جديدة نحو الإرهاب؟.
إن بيئة الإرهاب ترجع فى جانب رئيسى منها إلى أسباب سياسية واجتماعية، وليست دينية، وفى قدرة خطاب المظلومية السياسية (لا يعنى أن أغلبه صحيح) والانتقام على استقطاب عناصر جديدة مستعدة للموت فى سبيل قناعتها.
لن ننتصر فى معركتنا ضد الإرهاب إلا لو فتحنا «الملف المحرم» فى حربنا على الإرهاب، وهو الملف السياسى والدوافع السياسية التى تدفع الكثيرين للانتقال إلى العنف، ونقبل باستحقاقات هذا الملف ببناء دولة قانون عادلة، ونواجه بالسياسة والعدل جوانب كثيرة من خطاب المظلومية والانتقام السياسى، عندها نكون قد أخذنا أول خطوة جادة فى اتجاه الانتصار على الإرهاب.