بقلم عمرو الشوبكي
هذا عنوان نشره الكاتب السعودى يوسف الدينى، فى صحيفة الشرق الأوسط، الأسبوع الماضى، فى مقال تحت عنوان «عمر عبدالرحمن نهاية إرهاب المرجعيات».
ورغم أننى سبق أن كتبت، منذ عدة سنوات، حول نفس القضية، ووصفت التحولات التى أصابت الجماعات المتشددة بأنها انتقلت من عنف النص إلى عنف السياق، فتعبير «نهاية إرهاب المرجعيات» له أيضا دلالة لافتة، ويسير فى نفس الاتجاه.
والحقيقة أن النقاش العربى والعالمى (للباحثين والخبراء المصريين دور مهم فى تشكيله، بعيدا عن الكلام الدعائى والصريخ الفارغ)، حول قضية التعامل مع الجماعات المتشددة والعنيفة، لم يخرج عن مدرستين كبيرتين: إحداهما ترى أن المحدد الرئيسى هو النصوص الدينية والتفسيرات الفقهية المنحرفة التى تحض على الكراهية ورفض الآخر، وتفتح الباب أمام الإرهاب. والثانى يرى أن الدافع الرئيسى هو السياق السياسى والاجتماعى المحيط الذى يدفع أشخاصاً لا علاقة لهم بالدين إلى ممارسة الإرهاب.
والحقيقة أن النقاش حول من المسؤول عن الإرهاب: النص الدينى، أم السياق الاجتماعى والسياسى المحيط- هو نقاش ارتبط بالتحولات التى أصابت التيارات المتطرفة فى نصف القرن الأخير، فدوافع الإرهاب طوال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضى كانت النص الدينى، أو بالأحرى التفسير المنحرف للنص الدينى، فقد امتلكت الجماعات الجهادية مرجعية فكرية وعقائدية متكاملة تدور حول مفهوم الحاكمية لله، واعتبرت النظم القائمة هى نظم جاهلية لا تطبق أحكام الله، ولذا وجب تكفيرها وإسقاطها بالعنف، وأن مدخل أى عضو للانضمام إلى التنظيمات الجهادية الكبرى كانت تبدأ بالإيمان بمرجعية عقائدية متكاملة تستند إلى تفسير خاص للنص الإسلامى يدفع العنصر، بعد سنوات من الانخراط فى هذه التنظيمات إلى ممارسة العنف والإرهاب فى مواجهة ما كان يعتبره «النظم الكافرة» والمجتمع الجاهلى.
وقد تغير الأمر مع بدايات العقد الماضى، حين تراجع دور النص الدينى كمحدد أساسى فى عملية التجنيد لتنظيمات القاعدة ثم داعش، صحيح أنه ظل حاضرا كمبرر للقتل أو الانتحار، ولكن من يصنع الكراهية والإرهاب وتكفير المخالف لم يعد أساسا تفسيرا منحرفا للنص الدينى، يقضى التكفيرى سنوات لدراسته، مثلما فعل جهاديون القرن الماضى، إنما هو واقع طائفى فى العراق، أشعر قطاعا واسعا من السنة بالاضطهاد والتهميش، أو مظالم سياسية وطائفية وجرائم حرب، ارتكبها النظام فى سوريا، فدفعت جزءا من السنة للانضمام لداعش أو جبهة النصرة أو التواطؤ معهما، ونفس الأمر ينطبق على دواعش أوروبا الذين كانوا ضحايا سياق مجتمعى عانوا فيه التهميش والعنصرية والفشل الدراسى والمهنى.
ولذا لم يخرج شريط داعش ولا تهديداتهم للأقباط فى مصر عن هذه الموجة، فقد ركزوا على رواية سياسية تعاملوا فيها مع الأقباط، باعتبارهم ذراعا للنظام الحاكم وامتدادا لحكم السيسى، وأن استهدافهم سيتم باعتبارهم مشاركين فى القتل وبغرض إيذاء النظام الحاكم.
يقينا هى رواية مزورة، ولا علاقة لها بالواقع، فالأقباط ليسوا جماعة حاكمة، وهم أقلية دينية تعانى من نفس مشاكل المسلمين الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى التمييز الدينى.
للأسف، البعض يصر على أن يناقش قضية داعش، مثلما كان يناقش قضية تنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية، فهذا إرهاب المرجعيات الذى انتهى. أما الآن، فنحن نشهد إرهابا انتقاميا من نوع جديد، مواجهته للمرة الألف ستكون مع البيئة الحاضنة التى أفرزته (ومستمرة بكثافة أكثر فى فرزه)، وليس أساسا مع عناصره التى تحمل السلاح.
علينا أن نسأل أنفسنا: من المسؤول عن تحول مشاعر أغلب الناس فى سيناء تجاه الدولة؟ وما طبيعة الأخطاء التى حدثت طوال السنوات الثلاثة الماضية، وجعلت الشهداء يسقطون كل يوم من مدنيين أقباط ومسلمين ورجال شرطة وجيش؟
نحن لا نعالج إلا بالأمن، ولذا فلا علاج.