عمرو الشوبكي
صحيح الكل مستهدف من الإرهاب، وصحيح أيضاً المسيحيون مستهدفون أكثر من غيرهم، لأنهم مستهدفون مرتين: مرة لدينهم، ومرة لتصويرهم بأنهم جماعة سلطة حاكمة.
جريمة أمس الأول فى كنيستى مار جرجس بطنطا ومار مرقص بالإسكندرية صادمة ومؤلمة، ليس فقط لأن عدد الشهداء فيها وصل إلى 50، إنما أيضا لأننا عشنا للمرة الثالثة فى أقل من 4 أشهر 3 تفجيرات قاسية عاشت فيها عائلات كثيرة اللحظة الأصعب فى تاريخ أى أسرة حين تنظر عودة أحبائها من مكان الأمن والسكينة، أى دور العبادة، فلا يعودون بل يُقتلون فى لحظة غدر وخسة على يد مجرمين لا بشر.
من هؤلاء القتلة المجرمون الذين يستهدفون المسيحيين أكثر من غيرهم؟ الإجابة هى فى شريط «تنظيم داعش» الأخير الذى كتبنا عنه مرارا وتكرارا وحذرنا من نتائجه (راجع مقال شريط داعش الأخطر) وقلنا إن استهداف المسيحيين بكل أسف سيزيد، وإن وسائل الدولة لمواجهة الإرهاب الجديد تزيد منه ولا تردعه حتى لو أعدمت كل الإرهابيين فى مكان عام، فهم أصلا حسموا أمرهم ورفضوا الحياة.
والحقيقة أن شريط «داعش» الأخير وخطابه التحريضى على مواقع التواصل الاجتماعى لم يشر فيه لمفاهيم أهل الذمة التى تبنتها الجماعات الجهادية فى سبعينيات القرن الماضى، فرغم طائفيتها وعدم إيمانها بمفهوم المواطنة، إلا أنها تعاملت مع المسيحيين على أنهم أصحاب عقيدة باطلة لا يجب أن يتولوا مناصب عليا فى الدولة، وأن تُفرض قيود على بناء كنائسهم، ولم تحرض على قتلهم كما يجرى الآن.
فى حين تعامل «داعش» وحلفاؤه مع المسيحيين الآن باعتبارهم فئة سياسية باغية قبل أن يكونوا طائفة دينية يجب اضطهادها، ووضعهم فى نفس مرتبة النظم التى يحاربونها ويصفونها بالنظم الطاغوتية أو المرتدة، واعتبروا أقباط مصر امتداداً للصليبيين فى الخارج ولنظام السيسى فى الداخل، واعتبروهم جماعة حكم مسؤولة عن المظالم التى يتعرض لها المسلمون، وهو كلام ليس فقط مغلوطا، إنما هو أيضا يلوى حقائق الواقع ويزورها، لأن المسيحيين ليسوا جماعة حكم، كما أنهم ليسوا جميعا مؤيدين للنظام الحالى، حتى لو كان الخوف من استهدافهم من قبل العناصر الإرهابية أحد الأسباب المشروعة وراء دعم تيار واسع منهم للدولة والحكم.
ما جرى فى طنطا والإسكندرية ليس مجرد عمل إرهابى خسيس، إنما هو خطة ممنهجة لقتل المسيحيين بدم بارد تحت غطاء مكثف من الدعاية الداعشية السوداء التى تتعامل معهم باعتبارهم جماعة حاكمة تدير السياسة وتحتكر الاقتصاد.
يقينا مواجهة الانتحارى الذى سيفجر نفسه لن تكون بأى من الإجراءات التى أعلنت عنها الدولة أمس الأول لمحاربة الإرهاب، فالانتحارى لن يردعه إعدامه ولا مدرعات الجيش، ومواجهة الإرهاب ليست بمجلس أعلى لمواجهة التطرف، لأن هؤلاء الإرهابيين فى غالبيتهم الساحقة لم يتفقهوا دينياً ولو فى الاتجاه الخاطئ مثلما فعلت عناصر الجهاد والجماعات الإسلامية فى سبعينيات القرن الماضى، فاستلزم الأمر تدخلا مباشرا لرجال الدين والأزهر أسفر عن مراجعات دينية ومبادرات لوقف العنف، حدث كثير منها فى السجون.
أما الآن فهؤلاء القتلة لم يقرأوا كتاباً واحداً فى الفقه المتشدد، ولم يحفظوا حتى آيتين من القرآن الكريم، وتم شحنهم بخطاب ثأر وانتقام سياسى فى مواجهة المسيحيين وبرروا القتل ببعض القشور الدينية.
معركة مصر مع البيئة الحاضنة للإرهاب التى تنتعش بالمظالم القائمة وانعدام الرؤية السياسية وإهدار دولة القانون، أما الإرهابيون فواجههم بالأمن، وجفف معه البيئة التى تفرزهم بالعدل والرؤية السياسية.