بقلم-عمرو الشوبكي
رغم كل الصخب الذى أثارته شهادة مبارك ما بين مؤيد ومعارض، إلا أنها ستبقى صورة إيجابية فى تاريخ مصر السياسى أن نرى رئيسا سابقا يسير آمنا على قدميه ويذهب كأى مواطن ليدلى بشهادته فى المحكمة أيا كان الرأى فى هذه الشهادة.
والحقيقة أن صورة مبارك مازالت تثير الجدل والخلاف فى مصر، لكنها لم تعد هى مصدر الاستقطاب، ولذا سنجد أن هناك من دافع عن مبارك وهناك من هاجمه، وكلا الفريقين نسى أو تناسى أن الخلاف مع الرجل أو تأييده أمر مشروع فى السياسة وأن الصورة الإيجابية التى أخرجتها مصر عقب ثورة يناير هى فى قدرتها على ألا تسقط فى مسار الانتقام الثورى وتصفية الحسابات السياسية بإعدام مبارك ورجاله كما طالب البعض، لأن البلاد التى أعدم فيها الناس بأيديهم حكامهم مثل القذافى فى ليبيا لم تخرج من دائرة العنف والانتقام المتبادل حتى اللحظة. لقد صمدت مصر فى مواجهة خيارات الانتقام الثورى والدينى وتمسكت بالمسار القانونى الذى جعلنا نرى أول رئيس مصرى سابق يمارس حياته بشكل طبيعى.
إن مشهد سقوط مبارك والتمسك بمحاكمته أمام قاضية الطبيعى (مهما كانت انتقادات البعض) وإدانته بالسجن المؤبد، ثم إعادة محاكمته وبراءته، ثم إدانته بحكم بات ونهائى من محكمة النقض فى قضية فساد القصور الرئاسية، وينفذ الرجل الحكم ويخرج بعدها بشكل طبيعى، هى أمور فى جوهرها إيجابى.
إن قبول فريق سياسى معارض بالقواعد القانونية السائدة بشرط تطبق على الجميع وبشكل غير انتقائى، فلا يستفيد منها فقط إلا مبارك وتتجاهل حقوق شباب مدنى محبوس منذ سنوات.
أزمة مصر لم تكن فى الانتقام ممن حكموها إنما تغيير المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية التى أفرزوها، وهذا لن يتم إلا بدولة قانون وتغيير تدريجى للمنظومة السائدة لا الانتقام من أشخاص.
لقد طبق القانون على مبارك وأدين فى حكم نفذه الرجل وخرج وأصبح من حقه (مهما كان رأينا فى حكمه) أن يمارس حياته بشكل طبيعى، وأن كل من يشغل باله بتصفية حسابات مع مبارك هو يهدم المستقبل لصالح صراعات الماضى.
لم أكن من مؤيدى مبارك حين كان فى السلطة، والرجل له إيجابيات كثيرة وسلبيات أكثر، وأهم إيجابياته أنه سمح بهامش ديمقراطى، وأنه انتمى لجيل القادة المحاربين الكبار من جنرالات عظماء حرروا الأرض وأعادوا الكرامة، وأن الاختلاف الكلى أو الجزئى مع مبارك لا يجعلنا نهدم المبدأ القانونى الذى يحكمنا جميعا، وتصبح قضيتنا تطبيق القانون على الجميع لا أن يبدو أنه أنصف مبارك وجار على آخرين.
فالعدالة مطلوبة للجميع ولكل الاتجاهات السياسية، ودولة القانون هى وحدها القادرة على حماية البلاد من الإرهاب والأزمات الاقتصادية والسياسية.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع