بقلم : عمرو الشوبكي
أعلن المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى، انتهاء العمل باتفاق الصخيرات وعدم التزام قواته بقرارات أى حكومة غير منتخبة فى إشارة إلى فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسى، معلنا بذلك رفضه اتفاق الصخيرات المتعثر منذ سنوات والحقيقة أن تعثر المفاوضات بين أطراف الساحة الليبية يرجع لسبب جوهرى يتمثل فى أن هناك طرفا محليا ودوليا يرفض إعادة بناء الدولة الليبية، وفى القلب منها المؤسسة العسكرية، لأنه يعتبر أنها قد تفتح الباب للديكتاتورية، وأن جيش حفتر فى حال تمكنه سيفرض ليس فقط سيطرته العسكرية إنما أيضا سيحكم البلاد، وسيفتح الباب أمام عودة حكم عسكرى آخر فى ليبيا نظرا لانقسام القوى السياسية وغياب الثقافة الديمقراطية، وأن من يملك السلاح سيحكم البلاد.
وفى نفس الوقت، هناك الطرف الآخر ممثلا فى قائد الجيش الوطنى الليبى الذى اعتبر، ولو ضمنا، أن الهدف الوحيد هو إعادة بناء الجيش والدولة حتى دون عملية سياسية، وحتى لو ألغى باقى الأطراف السياسية، فالمهم هو محاربة الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار فى البلاد.
والحقيقة سيظل هذا الواقع سبب فشل كل المفاوضات التى تجرى حول ليبيا منذ 5 سنوات، وتفسر فى جانب رئيسى عدم رضا حفتر عن كل الحلول والاتفاقات السياسية التى قُدمت لحل الأزمة الليبية، رغم أنه شارك فى أكثر من قمة جمعته بالسراج فى باريس وأبوظبى، إلا أنه عمليا لا يرى مبررا لفرض اتفاق سياسى على بلد لا توجد فيها دولة من الأساس.
معضلة ليبيا أنها واقعة تحت إرهاب «داعش» وحلفائه من الإسلاميين والذين ليس لديهم مشروع إلا بقاء ليبيا فى حالة الفوضى الكاملة، وهو ما يعطى مشروعية مؤكدة لحفتر والجيش الوطنى الليبى.
وتدل مؤشرات كثيرة أن الواقع المحلى الليبى يقول إن قوة حفتر العسكرية (إذا امتلك مشروعا سياسيا) هى الأقرب لتكون بديلا لنظام القذافى الذى سقط دون أن يختفى من الواقع، مقارنة بالبدائل المصنعة خارجيا، سواء فى المصانع الغربية أو مصانع قطر والجزيرة التى تدعم بصور مختلفة الجماعات التكفيرية والإرهابية تحت حجة مواجهة الديكتاتورية وذيول نظام القذافى التى تعتبر حفتر واحدا منها.
وطالما لم يدعم المجتمع الدولى أولا مشروع بناء الدولة فى ليبيا لتكون حاضرة قبل أى مفاوضات بين الأطراف السياسية الليبية، ويحسم موقفه من الجماعات الإرهابية، فإن الفشل سيظل مصاحبا لكل مفاوضات تسوية الأزمة الليبية.
صحيح مطلوب أيضا وضع الضمانات لكى تكون هذه الدولة، فى ظل حفتر أو غيره، قابلة لأن تكون مدنية ديمقراطية، لأن ميزة مشروع حفتر أنه صناعة محلية، فهو خليط من صورة محسنة لنظام القذافى مع صورة العسكرى البطل الذى يقاتل الأعداء والإرهابيين، وهو يحتاج لحليف سياسى عربى وإقليمى وليس مجرد داعم بالسلاح. وإذا كانت كل المؤشرات تقول إن مصر مرشحة للعب هذا الدور إلا أنها حاضرة فى الدعم العسكرى وغائبة عن الدعم السياسى، لأنها حتى هذه اللحظة لم تستطع أن تبلور مشروعا سياسيا يسمعه العالم ويأخذه بجدية، رغم أن الواقع فى ليبيا يقول إنه لا بديل عن مشروع سياسى يعيد بناء الدولة الليبية أولا، ويؤسس بالتوازى معه مسارا سياسيا.