بقلم عمرو الشوبكي
دلّ المسار الذى دخلنا فيه منذ أن طُرحت قضية تيران وصنافير على الرأى العام على عمق الأزمة التى يعيشها نظامنا السياسى وحجم التخبط وسوء الأداء الذى أدخلنا من مأزق إلى آخر، ومن أزمة إلى أكبر.
والحقيقة أن أزمة تيران وصنافير دلت المؤشرات الأولى على مصريتها، حتى حسمها حكم المحكمة الإدارية العليا بحكم باتّ ونهائى قضى بمصرية الجزيرتين، وأصبحنا أمام مأزق سياسى تسبب فيه أداء السلطة التنفيذية بكافة أركانها وليس حكم المحكمة الكاشف.
ولعل البداية كانت فى المفاوضات السرية التى جرت حول ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، فلم يطالب أحد الحكومة بنقل حوارات الخبراء على الهواء مباشرة، إنما على الأقل معرفة أن هناك مفاوضات حول الجزيرتين مثلما جرى أثناء مفاوضات طابا (هى معكوس تيران وصنافير، لأنها كانت من أجل استعادة الأرض)، لا أن تتعامل الدولة على أن الشعب والرأى العام لا يستحقان حتى معرفة خبر وجود مفاوضات مع دولة شقيقة وعزيزة، هى السعودية، لترسيم الحدود. وفوجئ الجميع أثناء زيارة العاهل السعودى لمصر العام الماضى بأن الأخيرة رسمت الحدود، وقررت إعطاء الجزيرتين للسعودية، على اعتبار أنهما تقعان ضمن حدود المملكة. والأمر الصادم هنا أن الإعلان عن سعودية الجزيرتين جاء فى نفس توقيت تقديم السعودية مساعدات اقتصادية لمصر، وصفها البعض بـ«السخية»، فهل هناك دولة عاقلة فى الكون تقبل على نفسها أن تسلم جزيرتين- ظلت على الأقل تديرهما قرنا (وهو نوع من أنواع السيادة)- لدولة شقيقة أخرى عقب إعلان الأخيرة تقديم مساعدات مالية لها؟
التخبط السياسى والاستهانة بالناس استهانة تُذكرنا بأحمد عز وانتخابات 2010 المزورة، التى تقول: أنتم لستم رقما فى أى معادلة، أنتم تستحقون فقط أن تستمعوا لإعلامى يعلن استعداده للذهاب إلى لاهاى للدفاع عن سعودية الجزيرتين، فى موقف هو والعار سواء، لا أن تسمعوا كلاما موثقا يقول إن الجزيرتين لهما علاقة بالسعودية.
والحقيقة أن نفس النمط العشوائى والاستهانة فى إدارة ملف تيران وصنافير انتقل إلى أروقة المحاكم، فلم تقدم الحكومة أى مستند يشير إلى سعودية الجزيرتين، وقصرت دفوعها بعدم اختصاص مجلس الدولة فى نظر القضية باعتبارها عملا من أعمال السيادة.
والحقيقة أن معركة مجلس الدولة كانت كاشفة بين طرف حكومى لم يقدم أى وثيقة قانونية تبرر موقف الحكومة المصرية بسعودية الجزيرتين، بما يعنى أنها اكتفت بالشعارات وحملات التخوين والكلام البائس، فى حين أن الطرف الآخر المدافع عن مصريتها قدم وثائق قانونية وتاريخية دامغة تؤكد ذلك، وانتصر فى معركة الجدية والمهنية والحجج القانونية، كما اتضح من حيثيات حكم المحكمة، فى 59 صفحة، حملت رسالة قانونية وسياسية ومهنية رائعة.
مَن الذى أخرج قضية تيران وصنافير بهذه الطريقة البائسة؟ مَن الذى أوصل القضية للمحاكم؟ ومَن الذى سيذهب إلى التحكيم الدولى فى حال طلبت السعودية ذلك؟ هل ستذهب الحكومة المصرية إلى هناك لكى تدافع عن سعودية الجزيرتين، فى موقف لم نره من قبل فى تاريخ أى دولة؟ هل سنجد نظامنا السياسى- أو دولتنا- يذهب إلى محكمة العدل الدولية ليقول إن الجزيرتين سعوديتان، فى حين أن تاريخنا كله كان دفاعا عن استرداد الأرض لا التفريط فيها، وتجربة طابا خير دليل؟
يقينا نحن فى مأزق كبير وضعتنا فيه الدولة والحكومة بهذا الأداء المتخبط والبائس، وأتمنى ألا نذهب كما هى العادة منذ ما يقرب من 10 سنوات فى عكس الاتجاه الصحيح، فالموضوع حُسم فى صالح مصرية الجزيرتين، ويجب ألا يكون رد الفعل خارج هذا الإطار، الذى حسمته محكمة القضاء الإدارى.