بقلم - عمرو الشوبكي
معركة ترامب مع الديمقراطيين فى الكونجرس حول الجدار الفاصل بين حدود أمريكا والمكسيك ليست فقط معركة سياسية واقتصادية إنما أيضا ثقافية بين موجة متصاعدة فى العالم يقودها ترامب تفصل بين الشعوب عن طريق نشر ثقافة الخوف والكراهية والاستعلاء وبين أخرى لا تلغى الحدود لكنها لا تقبل بثقافة الكراهية والعزلة.
هذا السور سيكلف الخزينة الأمريكية أكثر من 5 مليارات دولار ولن يضبط الحدود أو يمنع الهجرة عبر المكسيك كما أكد كثير من الخبراء، إنما هو مشروع متسق مع توجهات ترامب الذى وعد ناخبيه بأن يبنى سورا يفصل بين بلاده الثرية وبين المكسيك الفقيرة، ويكون بمثابة حائط صد يحول دون تدفق اللاجئين وطالبى الهجرة من الجنوب إلى الشمال.
والحقيقة أن ثقافة الأسوار هى رسالة تقول إن هناك دولا أو مناطق ثرية ومتقدمة تعزل نفسها عن الدول والمناطق الفقيرة النامية، وتقضى على فكرة التواصل التى عرفتها لسنوات طويلة الشعوب والدول المختلفة معتمدة على قيم التنمية المتبادلة وحوار الحضارات وغيرها.
السور الفاصل بنته إسرائيل كآخر دولة احتلال فى العالم لتفصل بين الأراضى الفلسطينية والدولة العبرية، وتحاول أمريكا أن تبنى سورا آخر رغم أنه لا يوجد فيها مثل أوروبا والعالم العربى فكرة السكان الأصليين لأن من بناها هم المهاجرون، ومع ذلك يحاول ترامب أن يحدث قطيعة مع تاريخ بلده التى «أصلها» من المهاجرين.
ثقافة الأسوار نعرفها فى بلادنا أيضا، فقد تغير شكل الأحياء الغنية المتجاورة المتواصلة مع الأحياء الشعبية كما كان الحال بين الزمالك وبولاق أبوالعلا (يفصلهم كوبرى) وبين المهندسين وميت عقبة، وبين جاردن سيتى وقصر العينى، ففكرة الحى المحاط بسور كانت غائبة عن كل أحيائنا وحتى وزارات الدولة لم تكن محاطة بأسوار إلا إذا استهدفت من إرهابيين.
اللافت أننا انتقلنا من حالة الأحياء الراقية (أنظف وأكثر تحضرا وتعلما) المنفتحة والمتواصلة مع باقى الأحياء إلى حالة أسوار «الكومباوند» الغنية (وليس بالضرورة أرقى) المنعزلة والخائفة من الآخر وخلق الله، حتى أصبحنا نرى أجيالا جديدة تعيش فى جيتو حقيقى لا تعرف المجتمع المصرى فمن أسوار مدرسة اللغات إلى أسوار الكومباوند يعيش معظم هؤلاء.
وإذا كان البعض يبرر وجود أسوار حول مناطق سكنية جديدة فى مصر على اعتبار أنها مناطق خاصة، فإن العاصمة الإدارية التى يفترض أن يكون فيها مؤسسات الدولة الحكومية والعامة ومجلس الشعب والوزارات والقصر الرئاسى فمن غير المعقول ولا المقبول أن يكون هناك سور يحيط بكل هذه المنشآت العامة.
مطلوب إعادة النظر فى فكرة سور العاصمة الإدارية، فمشروع بهذا الحجم لا يبنى فى دولة أخرى ولا يضع حدودا بين سكان العاصمة وباقى مدن وقرى مصر.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع