بقلم - مصطفي الفقي
يمثل الكاتبان الصحفيان الأستاذان «جهاد الخازن» و«سمير عطا الله» نوعية خاصة لرؤية العقل اللبنانى المستنير لدور «مصر» العربى ومكانتها، فالأستاذ «جهاد الخازن» يتخذ موقفًا انتقاديًا عنيفًا لتصرفات «إسرائيل» من منظور قومى ويتعاطف مع الشعب الفلسطينى تعاطفًا لا يقبل النقاش أو المساومة، وتربطه علاقات وثيقة بدول الخليج، مع فهم شامل للهموم العربية والمشكلات التى تؤثر على العمل العربى المشترك، ولكن المهم فى هذا الكاتب المتفرد أن لديه فهمًا عميقًا للشؤون المصرية يصل به إلى حد التعاطف مع أبناء الكنانة، وهو يمر على «القاهرة» من حين لآخر كلما جاء إلى المنطقة يستطلع الأحوال ويقترب من نبض الشارع ويلتقى بالعامة وكبار المسؤولين أيضًا، وهو يملك قدرة واضحة على استشراف المستقبل من دراسة الحاضر واستيعاب الماضى.
إنه كاتب قومى عروبى متخصص أيضًا فى الشؤون الإسلامية وتاريخ الحضارة العربية، ورغم أنه عربى مسيحى من لبنان إلا أن فهمه للعالمين الإسلامى والعربى فهمٌ يتجاوز كثيرًا حدود النظرة السطحية أو الانطباعات العاطفية، ولقد التقى برؤساء «مصر» الذين عاصرهم وظل مهمومًا بالمواطن العادى الذى يرى فيه دائمًا جوهر القضية برمتها وهو فوق ذلك يملك من الموضوعية والكياسة ما يؤهله لكى يكون محايدًا فى الخلافات بين الأشقاء، لقد كان موقفه متوازنًا للغاية أثناء تواجد الغيوم التى ظللت العلاقات المصرية السعودية فى فترة قصيرة من منطلق احترامه للدولتين وحبه للشعبين، وتربطنى به شخصيًا صداقة تدفعنى إلى التواصل معه كلما سنحت الفرصة، وتظل مقالاته فى «الحياة» خير شاهد على ما نقول، أما الكاتب الآخر فهو الأستاذ «سمير عطا الله» صاحب الأسلوب المتميز مع إدراك كامل للمسرح السياسى والحياة العامة والنشاط الفكرى والثقافى فى «مصر»، ولأنه عمل لفترة فى الصحافة المصرية فهو قريب من كل أقطابها السابقين يعرف أقدارهم ربما كما لا يعرفها الصحفيون المصريون أنفسهم، وهو شاهد على عصور مختلفة وفترات زمنية متباينة، لذلك فإنه عندما يكتب عن «مصر» فبدقة الخبير وتعاطف المحب الذى يعرف عن «مصر» ما لا يعرفه سواه، ولقد التقيته أكثر من مرة فى منتديات عربية مختلفة إحداها فى «الإمارات» والثانية فى «الكويت» وكان فى كل الأحوال كاتبًا سامقًا وإعلاميًا نزيهًا، ولاتزال مقالاته فى صحيفة «الشرق الأوسط» خير شاهد على ما نصفه به حيث تزخر مقالاته بالنوادر الطريفة والأفكار المضيئة والذكريات المؤثرة، ولـ«مصر» موقع خاص فى عقل وقلب ذلك الكاتب الكبير، فهو المدافع عنها إذا هاجمها حاقدون وهو المنتصر لها إذا تكالب عليها أعداؤها، وقد توصل ذلك الكاتب العبقرى إلى جوهر المعدن المصرى وأدرك قيمته الحقيقية، لذلك جاءت كلماته تعبيرًا صادقًا عن الواقع المصرى بكل ما له وما عليه، إننا أمام نموذجين من الكتاب العرب يستحقان التحية والاحترام لأنهما أدركا قيمة «مصر» العربية ومكانتها الدولية وأعماقها الحضارية وفهما الشخصية المصرية بتجرد وحياد فأعطيا «مصر» والمصريين الاستحقاق الصحيح فى كل الظروف، ولم يحكمهما ذلك الشعور الغامض بالدونية أحيانًا أو الغيرة المكتومة أحيانًا أخرى مثلما هو الأمر لدى بعض الكتاب العرب الذين يتصورون أن الهجوم على «مصر» والاستخفاف بها فى ظروفها الصعبة إنما هو جواز مرور لهم إلى الشهرة الشخصية والمكانة الإعلامية وذلك أمر يدعو إلى السخرية لأن «مصر» كانت ولا تزال وسوف تظل قادرة على فرز الأشقاء والأصدقاء، فلقد كتب مفكر لبنانى كبير هو «إلياس سحاب» أن مقياس العروبة فى أى قطر يتحدد من خلال الإيمان بالدور المصرى والاعتراف بفضلها فى التكوين الحديث لشقيقاتها العربيات، وهذا قول يتفق معه كثير من منظرى القومية وكتاب الوحدة، وقد يتشبث البعض أحيانًا بالمظهر دون الجوهر دون أن يدركوا المعدن الحقيقى للشعب المصرى رغم قسوة الظروف الضاغطة عليه خارجيًا وداخليًا بما ينتقص من حركة الوضع العام بسبب الظروف الصعبة ردًّا على محاولات تمزيق نسيج الأمة وكيانها المزدهر بعد ما يزيد عن أربعة عشر قرنًا، فذلك أمر له أهميته لأنه يعكس الروح الجديدة التى نتمنى لها أن تسود فى بلادنا بعد أن سعى الإرهاب إلى العبث بهويتنا والنيل منا ومن جبهتنا المتماسكة على الدوام، ولنقارن ما يصدر عن الكاتبين الكبيرين من أبناء «لبنان» الشقيق بذلك التراشق الإعلامى المتراجع الذى يتورط فيه الإعلام المصرى والعربى بلا وعى ودون رؤية، حتى تنعكس النتيجة السلبية على العلاقات بين الأشقاء والأصدقاء وتترك آثارًا سيئة على الجميع.. تحية لكاتبين كبيرين هما الأستاذان «جهاد الخازن» و«سمير عطا الله» اللذان أدركا أن الكلمة مسؤولية، وأن القلم أقوى أحيانًا من أى سلاح فوضعا الأمر فى نصابه والمعلومة فى مكانها، فالكتابة رسالة والقومية ضمير، كما أن الشهرة لا تأتى بالتجاوزات اللفظية أو الآراء الوهمية أو النفوس الضعيفة.