نصف الكوب السياسي الفارغ
آخر تحديث GMT 12:07:18
 فلسطين اليوم -

نصف الكوب السياسي الفارغ

 فلسطين اليوم -

نصف الكوب السياسي الفارغ

بقلم-عمار علي حسن

علينا أن نكون يقظين حيال الذين يطلبون من الناس، بجهل وغرض، أن يتحدثوا فقط عن نصف الكوب الملآن، وينعتوا المنشغلين بالعكس بأنهم متشائمون وعدميون ومحترفو اعتراض، فالاهتمام بالفراغ والفارغ، هو تعبير عن رغبة فى إتمام الناقص، وترميم المشروخ، واجتياز غير المأهول، واقتحام المجهول، بغية التقدم والترقى فى العيش.

ابتداء، لا تقوم السياسة إلا إذا جرى التفاعل بين الأفراد والأفكار والأشياء، لكن وجود هذه الأطراف وغيرها لا يعنى «موت الفراغ» إذ إنه يولد فى مختلف الظروف، بفعل تدابير وتصرفات غير محدودة، ويستقر فى المساحات غير المأهولة من العلاقة بين الشعب والحكومة، والروابط بين الدول، ووقت غروب بأس الإمبراطوريات الكبرى، وفى أيام الفوضى والاضطراب التى تحل بالدول، وبذا يبقى الفراغ السياسى مرهونا بغياب السلطة الأساسية، أو شعور الناس بغيابها، ولو مؤقتا، وقد يطول الوقت حين لا يكون بوسع الحكومة المركزية أن تبسط نفوذها على الأطراف الجغرافية للدولة، وتقنع الجميع بشرعيتها.

وقد أيقنت علوم شتى ضرورة الالتفات إلى الفراغ، لا سيما الفيزياء والهندسة، والفلسفة والإدارة، وبانت فى الدراسات اللغوية والسيمائية. وأتى علماء السياسة، فى الغالب الأعم، على ذكر الفراغ حين أسهبوا فى شرح اصطلاح «سياسة ملء الفراغ»، وكان المثل الصارخ على هذا هو قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسد الفراغ الذى تركه انسحاب بريطانيا من شرق خليج السويس.

يكاد لا يوجد تصور نظرى متماسك ومسهب ومتكامل حول الفراغ السياسى باللغات الأساسية، فالكل يتحدث عن السياسة بوصفها بنت «الامتلاء»، وقد يكون هذا مرده إلى أن متخذى القرار يريدون للناس أن ينتبهوا فقط إلى «نصف الكوب الملآن»، مع أن «نصف الكوب الفارغ» هو ما يصنع الأحداث السياسية بطريقة أوسع وأكثر عمقا، فالتغيير، الذى قد يأتى هادئا منضبطا بفعل الانتخابات فى البلدان الديمقراطية أو عنيفا متفلتا على وقع الانتفاضات والثورات، هو ابن التفكير فى الجزء الفارغ، إذ إنه قد يثير حنق أو غضب البعض، ورغبة البعض فى البحث عما يملأ جزءا منه بغية التقدم إلى الأمام، وتحسين شروط الحياة.

ولا يقتصر الفراغ على هذا فحسب، بل قد يكمن فى المسكوت عنه فى الخطاب والممارسة السياسية، وما لا يقال، والذائب فى العقول والضمائر، وفى الامتناع عن فعل سياسى ما، لأسباب مختلفة، وفى المضمر الذى يسرى بين المسؤولين السياسيين، وبينهم وبين الشعب، وفيما ينكره أهل الحكم عن الناس، وكذلك ما يفكر فيه الناس، أو يتمنونه، لكن صاحب القرار لا يصل إليه تفكيرهم وأمنياتهم، وفى خطط الدولة التى تظل حبرا على ورق، حتى لو كانت معلنة، وفى المعلومات الناقصة التى لا يمكن الوصول إليها، أو لا توجد رغبة فى تحصيلها، قبل اتخاذ القرار.

وقد يكون الفراغ مجازيا أو معبرا عن رأى وموقف، حين نصف خطابا سياسيا بأنه «كلام فارغ»، ونصف أداء سياسيا بأنه «فعل أخرق»، ونصف حضور قطاعات من البشر فى الحياة السياسية بأنه غياب، وهى مسألة تزيد مع ارتفاع عدد غير الممكنين من الوصول إلى المساهمة فى صناعة القرار.

ويمكن أن يكون الفراغ متوهما، لكن هذا الوهم قد يرتب أفعالا، ويصنع أحداثا، ووقتها يكون الفشل معلقا فى رقبة أولئك الذين تركوا هذا الوهم يكبر ويستفحل. ويمكن أن يكون الفراغ نابعا من جهل بعض عموم الناس بالسياسة، فى وقت يعتقدون خطأ أن ما فى رؤوسهم هو السياسة دون زيادة ولا نقصان، وأنها بالضرورة بسيطة إلى درجة أن الجميع يفهمونها، وحقيقية لا تقبل التكذيب، ومتعينة يمكن الإمساك بها، ومعلنة ولا يمكن إخفاؤها.

ومن الوارد أن يحل الفراغ فى تصورات أو تهاويم عن موت الوقت، وموت المسافة، وموت الواقعة، وموت الشعب بالمعنى الرمزى أو المعنوى. ويمكن أن يحل فى أفعال سياسية تحتية مثل العشم والسخرية والهروب والتبخيس والتشويه.

كما يحل الفراغ فى الامتلاء الصورى القائم على تسديد الخانات، وشغل المسرح السياسى، وإنتاج كلام ليست له وظيفة سوى تمرير المواقف، والإيهام بوجود الحلول، والتظاهر باهتمام السلطة بالشعب. فالامتلاء الحقيقى يترتب على انحسار الفراغ فى الواقع، وليس فى أذهان الواهمين، وهو يقوم على بذل الجهد الذى يؤدى إلى تحقيق إنجاز.

وقد يعتقد البعض أن الفترة الزمنية المنحصرة بين التفكير فى شيء وتحقيقه فى الواقع هى فراغ، لكن هذا لا يعد فراغا إنما سعى فى اتجاه امتلاء، تبقى الدول والمؤسسات والأفراد فى حاجة ماسة إليه، حتى إن هناك من يطلب ملء الفراغ الموجود فى النظام الدولى بأسره، حين يُترك بلا قيادة أو حكومة عالمية فوق الدول القومية.

لقد علمنا أساتذتنا أن السياسة، فى الغالب الأعم، هى شىء يمكن أن نمسكه بأيدينا، لكن حين تقدم بنا العمر وجدنا تفكيرنا وممارساتنا السياسية موزعة بين الواقع والخيال، والحقيقة والمجاز، والامتلاء والفراغ، وأدركنا بالتجربة والوعى أن كثيرا من المفاهيم والمقولات السابقة فى حاجة إلى مراجعة.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصف الكوب السياسي الفارغ نصف الكوب السياسي الفارغ



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday