خواء البطون بين «ثورة الجياع» و«النهب الاستعمارى»
أخر الأخبار

خواء البطون بين «ثورة الجياع» و«النهب الاستعمارى»

 فلسطين اليوم -

خواء البطون بين «ثورة الجياع» و«النهب الاستعمارى»

بقلم - عمار علي حسن

الدول تدرك أهمية القمح فى صنع سياساتها، وتحسن توظيفه فى تحقيق أهدافها، وتحرص على أن تبقى أسعاره فى السوق الدولية مرتفعة ليعطيها هذا رافدا للقوة.لم يكن بطل رواية «وجع البعاد» للكاتب يوسف القعيد يهذى حين تمنى أن يولد الإنسان بلا معدة، فهو كان يدرك أنها بيت الداء، كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام، ليس بالمعنى المباشر المربوط بالمسائل الصحية ولياقة الجسد وعافيته، إنما بالمعنى الموصول بمجال الاجتماع البشرى وتشكلاته وتكويناته، التى بدأت بالعشيرة وانتهت بالدولة الوطنية الحديثة مرورا بعصر الإمبراطوريات.وإذا كان كثير من العلماء والباحثين منتبهين إلى تأثير الاقتصاد على السياسة، ليس بالمنظور الماركسى الذى يرجع كل شىء إلى الموجودات المادية، إنما بما هو أوسع من هذا بكثير، وبما يقر بأن الاقتصاد نفسه فى أساسه ومنشئه، وفى جل أهدافه ومساراته، مرتبط بتلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان، وعلى رأسها الغذاء. فتأمين الغذاء كان السبب الأساسى لنشوب الصراعات الاجتماعية والسياسية منذ أول الخليقة، ولا يمكن للأسباب الأخرى من قبيل الانتقام للعرض والشرف أو الرغبة فى التسيد على سائر الناس أو الانسياق وراء الغريزة الجنسية، أن يكون لها ما كان للغذاء من موقع متقدم فى الدوافع والأسباب التى قادت إلى الصراع بمختلف أشكاله ودرجاته ومساراته ومآلاته. ومنذ قديم الزمان عرفت الجيوش وهى تتقدم أهمية توفير المؤن، فالجنود فى سيرهم وتخندقهم وأثناء القتال والاستراحات المؤقتة بين الحروب يبقون فى حاجة ماسة دوما إلى ملء بطونهم، بل إن هذا قد يكون هو السبب الوحيد أحيانا لانطلاق المعركة. لهذا لم يكن نابليون بونابرت يبالغ حين قال: «الجيوش تزحف على بطونها»، وهو قول فى ظنى يتعدى مجرد توفير الغذاء للجند أثناء القتال، إنما أيضا حفزهم على الانضمام إلى صفوف المقاتلين. فقد كان القادة يطلقون من يحمس مقاتليهم فيقول لهم إنهم سيحصلون على مال وفير إن تمكنوا من غزو أرض جديدة، وهذا بالطبع سيمكنهم من أن يملأوا بطونهم بطعام أطيب وألذ فى بلاد الناس من ذلك الذى يأكلونه فى بلادهم. ولم يقف الأمر عند حد تحفيز الأفراد، بل تعدى هذا إلى استراتيجيات الدول وما يترتب عليها من خطط وسياسات إذ طالما أرادت الإمبراطوريات القديمة فى توسعها أن تحتل بلدانا غنية بمحاصيل معينة، لا سيما القمح. ولعل المثل الصارخ على هذا ما فعله الرومان حين احتلوا مصر، فجعلوها مصدر تأمين احتياجات إمبراطوريتهم من أقصاها إلى أدناها من القمح.وفى زماننا أُطلق على القمح «سلعة استراتيجية» حيث تحرص كل دولة على أن يكون فى يدها مخزون كاف منه. ولذا صار للدول التى تنتج القمح بغزارة ميزة سياسية نسبية على تلك التى لا تنتجه وتحتاج إليه. وتخشى الحكومات من الأثر المفزع الذى يمكن أن يحدثه نقص أو نفاد مخزون القمح لديها من غضب وهياج، شهدته بعض الأمم، وأطلق عليه اصطلاح «انتفاضة خبز». فى المقابل فإن الدول تدرك أهمية القمح فى صنع سياساتها، وتحسن توظيفه فى تحقيق أهدافها، وتحرص على أن تبقى أسعاره فى السوق الدولية مرتفعة ليعطيها هذا رافدا للقوة. لهذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإلقاء آلاف الأطنان من القمح فى المحيط الأطلسى، لتمنع تراجع أسعاره، وهو عمل غير أخلاقى، لا سيما أنه قد تزامن مع مجاعات كانت تجتاح بعض الدول الأفريقية.وقد أدت سياسات الدول الاستعمارية إلى صناعة الجوع، عبر نهب الموارد الغذائية للدول المستعمرة، وهى مسألة لم تتوقف مع نهاية الاستعمار التقليدى، بل امتدت واستمرت واستفحلت مع ما يسمى «الاستعمار الجديد» الذى يعتمد بالأساس على الاقتصاد، ومنه بالطبع الموارد الغذائية، فى تحقيق أهدافه عبر تحويل كثير من الدول إلى مجرد مصدر للمواد الخام إلى الدول المتقدمة، لتقوم بتصنيعها وتعيدها سلعا غالية الثمن.إن فراغ البطون أو التجويع له انعكاساته السياسية بالضرورة، سواء على المستوى المحلى والوطنى أو الدولى. ففى كثير من الأحوال لا تكون البطون مقصودة فى حد ذاتها إنما الأنظمة السياسية الحاكمة، كأن تتعمد الدول الكبرى ترك ما فى صوامع الغلال ببعض البلدان الصغرى يتناقص، بغية إبقاء حكوماتها تحت ضغط، قد يجبرها على تقديم تنازلات، وإلا خرج الجائعون غاضبين ليطالبوا بإسقاطها. ولأن مثل هذه الحكومات تدرك تلك المسألة جيدا، فهى لا تدخر وسعا فى سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء أو الاقتراب من هذا، أو توفير العملة الصعبة التى تمكنها من الاستيراد، وفى الوقت نفسه تنويع أماكن الحصول على الغذاء، خصوصا القمح.إن البطن الفارغة ليست هنا سوى قوة سياسية غاضبة، يكون صاحبها مستريح الضمير إن عبَّر عن غضبه هذا بالطريقة التى تروق له، غير نادم على العاقبة. وقديما قال أبو ذر الغفارى (رضى الله عنه): «عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرًا سيفه».لكن الأنظمة الحاكمة لا تبذل، فى كل الأحوال، ما فى وسعها فى سبيل تجنيب شعوبها الجوع، فأحيانا تتعمد بعض الأنظمة تجويع الشعوب، ممتثلة فى هذا إلى ما يرتبه المثل القائل «جَوِّع كلبك يتبعك» من آثار سياسية. فعلى النقيض مما هو سائد فى التفكير عن «ثورة الجياع» فإن الجوعى قد يخضعون أكثر لعصا الاستبداد، وهم حتى إن هبوا فإن هبتهم ستصنع فوضى يتخللها سلب ونهب وتخريب وتدمير بما يعطى السلطة فرصة لإجراءات أكثر استبدادا وتوحشا، كما أن الثايرين جوعا لا يمكثون طويلا فى سبيل تحقيق هدفهم، إذ سرعان ما ينصرفون إلى بيوتهم، مفسحين الطريق أمام عقاب غيرهم من وجهاء السياسة وصناع الاعتراض، بدعوى أنهم محرضون على التمرد والفوضى.نقلا عن المصري اليومالمقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خواء البطون بين «ثورة الجياع» و«النهب الاستعمارى» خواء البطون بين «ثورة الجياع» و«النهب الاستعمارى»



GMT 22:40 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

أناقة ياسمين صبري على الشاطئ من الأبيض الكلاسيكي إلى الألوان المبهجة وجولات الموضة لا تتوقف

القاهرة ـ فلسطين اليوم
النجمة المصرية ياسمين صبري مع كل ظهور لها عبر حسابها على انستجرام، تنجح في لفت الانتباه بإطلالاتها الجذابة التي تبدو خلالها أنيقة واستثنائية، كما أن إطلالاتها على الشاطئ تلهم المتابعات لها باختيارات مميزة يسرن من خلالها على خطى نجمتهن المفضلة، فدعونا نرصد أجمل الأزياء التي ظهرت بها ياسمين على الشاطئ من قبل وتناسب الأجواء النهارية والمساء أيضًا. إطلالات باللون الأبيض تناسب أجواء الشاطئ من وحي ياسمين صبري النجمة المصرية خطفت الأنظار في أحدث ظهور لها خلال تواجدها في المالديف؛ بإطلالة ناعمة للغاية ظهرت فيها بفستان أبيض بتصميم عملي ومجسم ووصل طوله حتى منطقة الكاحل، مع الحمالات الرفيعة وفتحة الصدر غير المنتظمة، وتزين الفستان بفتحة ساق جانبية طويلة، كما أكملت أناقتها باكسسوارات ناعمة وأنيقة اللون الأبيض حليف ياسمين صبري في ...المزيد

GMT 08:54 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

مي عمر تكشف أسرار مشاهد رقصها في "إش إش"
 فلسطين اليوم - مي عمر تكشف أسرار مشاهد رقصها في "إش إش"

GMT 08:16 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

موقع "تويتر" يفضح مستخدميه وينتهك خصوصيتهم

GMT 14:26 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 00:38 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

مجموعة من أجمل أماكن السياحة في باريس للعائلات

GMT 13:03 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

رئيس البرلمان العربي يهنئ السودان برفع العقوبات

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

هاني شاكر يفتتح مهرجان الموسيقى العربية بأجمل أغانيه

GMT 15:50 2016 الأربعاء ,16 آذار/ مارس

مشاكل عصبية الأطفال والتعامل معها

GMT 08:12 2017 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

مادة في سموم الحشرات تعالج الصدفية غير قابل الشفاء

GMT 11:33 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

توقيف 16 شخصًا في قضية سرقة كيم كارداشيان في باريس

GMT 05:12 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ممثلة أميركية تقضي أعياد الميلاد مع اللاجئين لنصرة قضيتهم

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday