ملاحظات على هامش رحيل حسني مبارك
آخر تحديث GMT 18:28:05
 فلسطين اليوم -

ملاحظات على هامش رحيل حسني مبارك

 فلسطين اليوم -

ملاحظات على هامش رحيل حسني مبارك

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

ودّعت مصر الرئيس الأسبق حسني مبارك في جنازة عسكرية، تم فيها تقديم أوسمته التي أْعيدت إليه بعفو رئاسي في قضية القصور الرئاسية، وعُومل الراحل كأحد أبرز قيادات القوات المسلحة المصرية، وأُعلن الحداد لثلاثة أيام في كامل أرجاء البلاد.لم يكن متوقعاً على الإطلاق أن يخلف الداهية الكبير أنور السادات رفيقه عبد الناصر، ولا توقع أحد بالتأكيد أن يُقتل السادات على منصة 6 أكتوبر، ويخلفه نائبُه الفريق طيار حسني مبارك.
ولم يكن مبارك نفسه يحلم يوماً بأن يكون رئيساً لمصر، فعندما استدعاه الرئيس السادات ليعينه نائباً له، اعتقد الفريق حسني مبارك قائد القوات الجوية أن الرئيس السادات سيعينه رئيساً لشركة مصر للطيران، وكان ذلك أقصى طموحه.

ولكن على كل حال، لم يكن حسني مبارك رئيس الصدفة، كما قال عنه الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه من "من المنصة إلى الرئاسة"، فللأقدار والتاريخ ترتيب خاص بها.قضى مبارك أكثر من ست سنوات نائباً للرئيس السادات، وتولى كثيراً من الملفات السياسية الداخلية والخارجية، وكذلك الأمنية، وتابع تفاصيل العمل اليومي لرئاسة الجمهورية، فالسادات كان لا يحب الانغماس في التفاصيل، وهذا ما أهل مبارك، لمهام الرئيس، عندما حانت الساعة.

لقد بدأ مبارك حكمه الذي استمر ثلاثين عامًا، بنفَس إصلاحي واضح حين أفرج عن المعتقلين السياسيين، ودعم استقلال القضاء، وأعطى هامشًا لحرية الصحافة والإعلام طوال حكمه، وربما كان ذلك أحد أسباب بقائه الطويل في السلطة وليس سببًا في سقوطه، وخصوصاً أن مبارك لم يحكم بالحديد والنار، وتعامل مع الآخر في الداخل المصري بمرونة محسوبة، وإن لم يلغِ العصا بشكل كامل.لكن محاصرة الأحزاب السياسية في مقارها كان خطأ مبارك الاستراتيجي، لأن ذلك سمح للتيارات الدينية أن تتعملق شعبياً. كما أن مبارك تعامل مع دول حوض النيل، كأنها حديقته الخلفية، وأدار الظهر إليها لصالح رغبته العارمة بلعب دور إقليمي، وهذا ما قاد لاحقا إلى الأزمات التي تعاني منها مصر ومنها أزمة سد النهضة في أثيوبيا.

على كل حال، لم يكن حكم مبارك كله خراباً، فقد حقق إنجازات كثيرة في الاقتصاد والمدن الجديدة. والمجتمع والإيجابية الأكبر في حياته هي دورُه كقائد للقوات الجوية في حرب أكتوبر، فقد اختاره عبد الناصر عقب هزيمة 67، وهو في رتبة عقيد، لكي يعيد بناء سلاح الجو الذي دُمر.لقد اتسم حكم مبارك بهدوء وحذر في سياساته الداخلية، فلم يَمِل إلى القرارات الفجائية ولا التغييرات الجذرية، إنما حافظ على خيط المواءمات مع كثير من الظواهر: النزاهة والفساد، الكفاءة وانعدامها، النظام والعشوائية، حتى دخل مرحلة البطء الشديد في اتخاذ القرارات، والتي أوصلته إلى مرحلة الجمود وعدم الرغبة في التغيير.

الاقتصاد كان المعركة الأصعب في مشوار مبارك، فقد عانت مصر من الإرث البيروقراطي العقيم، وتبني الاقتصاد الاشتراكي، وحاولت حكومات مبارك تفكيكه ونجحت جزئياً، ولكن القطط السمان، وتزاوج المال بالسلطة، كانت أبرز أخطاء مبارك في نهاية عهده، الذي كان مكبلاً بالمرض والعجز ولم يعمل على ترتيب خلافته على نحو يليق بتاريخه، وببلد بحجم مصر، ولقد كشفت أحداث ثورة يناير، حجم الترهل في القيادة المصرية، وبطء الأجهزة التي لم تنجح باستقراء الوضع، والتعاطي بكفاءة مع المتغيرات العاصفة، فجاء خروجاً مذلاً للرئيس.

في الجزء الأول من مذكراته "كِتَابِيَهْ"، تطرّقَ عمرو موسى، وزير الخارجية، في عصر مبارك، طوال فترة التسعينيات، عن "حسني مبارك" الذي رأى فيه موسى رجلاً وطنياً ومصرياً حدقاً، ومنوفيّاً بكل معنى الكلمة، لم يكن من السهل خداعه، وبالطبع كان يعلم بحجم الفساد المستشري. ويمضي موسى في حديثه عن مبارك: "كان شخصية لطيفة مُحببة، له قفشاته الطريفة..". وعن سياسته الخارجية، يقول موسى: "ترك لمعمّر القذّافي التنقّل على فرسه بين ممالك أفريقيا، ولم يقترب من فناء لبنان، مدركاً مدى حساسية الموضوع بالنسبة إلى سورية".

لقد قرر المنوفي "الحدق" ألا يأخذ مصر إلى أي مكان. لا يساراً ولا يميناً. وأن يعيد إليها عافيتها بإراحتها من الشدّ والجذب والصراعات والحروب، فقد كان حكيم الشرق الأوسط.لكن طول حكم مبارك لمصر، جعلته يعتقد أنه مصر، ومصر هو، بل صار مقتنعاً بأنه هو مفتاح الاستقرار لمصر، ومن بعده ابنه. وعندما يقع الطيار "الحدق" في خطأ الحسابات، يحدث السقوط أو التنحي، ومن بعده أخذ ينتقل من جلسة محكمة إلى أخرى وهو على سرير متحرك.لقد كان مشروع التوريث، الضربة القاضية التي أتت على حكم مبارك.

فموضوع توريث ابنه جمال خلق بدايات غضب في الشارع المصري، وهمساً يرتفع في صفوف قادة الجيش الذي انحاز إلى الإرادة الشعبية التي خرجت زحفاً في يناير وبدأ ستار النهاية بلونه الأحمر الصاخب.
لكن سيذكر التاريخ، أن الطيار والقائد الوطني حسني مبارك، رفض أن يدخل في لعبة الدم، وتنحى عن السلطة، حقناً لدماء المصريين، وكان بمقدوره خلط الأوراق، وهدم المعبد على رؤوس الجميع، كما حصل في بلدان الخريف العربي. ويكفي مبارك أنه ترك جيشاً وطنياً، انحاز إلى شعبه، ولم ينحَز إلى رئيسه، على عكس دول أخرى، تم هندسة الجيش، والأجهزة الأمنية، لأن تكون مجرد ذراع تنفيذية لحماية النظام ورئيسه.

قد يهمك أيضــــــــــًا :

إدلب آخر قطعة في الكعكة السورية

رفيق الحريري «من أول وجديد»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملاحظات على هامش رحيل حسني مبارك ملاحظات على هامش رحيل حسني مبارك



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:06 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر
 فلسطين اليوم - الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان

GMT 09:52 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قناعاتنا الشخصية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday