بقلم : سما حسن
اخترتُ لنفسي ولأولاد الحجر المنزلي، رغم عدم تسجيل أي حالات إصابة بفيروس كورونا في غزة حتى الآن. قررت أن أتبع أسلوب الوقاية خير من العلاج، وهكذا شدتني هذه الأيام نحو جهاز التلفزيون، وقررت متابعة فيلم عربي، هو فيلم "ياباني أصلي".تبدأ أحداث الفيلم بزوجة يابانية لشاب مصري يعيش في حارة شعبية، والحارة هي صورة مجسمة للتخلف الذي تعيشه الكثير من المناطق العربية التي لا تزال ترى أن الفوضى هي عنوان الحياة، يقل شيئاً فشيئاً شغف وانبهار السيدة اليابانية بالحارة الشعبية العربية، وللعلم فكل الحارات العربية تتشابه، فهناك الأصوات العالية والمقاهي الشعبية والاكتظاظ واختلاط النساء والأطفال والرجال في أماكن بيع الخضار وعلى الشرفات، وغيرها من العلامات المسجلة لكل حارة، ولا يمكن أن يكون هناك حارة دون سيدة تضرب طفلها وتلاحقه في الشارع مثلاً أو تدعوه بأفظع الألقاب، ولا يمكن ان تكون هناك حارة شعبية صميمة بلا سيدة تسكب ماء الغسيل من الشرفة او من فرجة باب بيتها نحو الشارع، او نحو المارة بالتحديد.
وهكذا انطفأ شغف السيدة التي أصبحت أماً لطفلين توأمين، وتحايلت كما تفعل كل الزوجات الاجنبيات بحجة زيارة أهلها في وطنها الأم وهربت بالطفلين إلى اليابان، بعد أن طلقت نفسها من الزوج المكلوم، وقد اشترطت عليه حقها في تطليق نفسها بنفسها.قصة الفيلم تتناول قضيتين، وهي زواج العربي بأجنبية، كون الشاب العربي لا يمتلك مهراً ولا تكاليف زواج.القضية الثانية والمهمة التي تناولها الفيلم هو الهوة الشاسعة بين حضارة اليابان وتقدمها التكنولوجي وبين البلاد العربية، فقد عاد الطفلان لمسقط رأس أبيهما، وقد تبين لهما منذ اللحظة الأولى هذا الفرق الواسع، ولكن الغريب أن المؤلف كان مصمماً على إظهار استمتاع الطفلين بحياة الحارة، رغم ان هناك الفاظاً بذيئة وأساليب نصب ظاهرة في تعامل الناس مع بعضهم، مثل التعامل مع الميكانيكي ومن يقوم بإصلاح الأجهزة الكهربائية.
على الجانب الآخر فالسفارة اليابانية راقبت الوضع، ورأت ما قام به الأب وأهل الحارة من أخطاء فادحة لا تليق بأن تكون في بيئة طفلين، وتقرر سحبهما من والديهما، ولكن الأب يتنازل هذه المرة عن الطفلين، وأهل الحارة يقررون ان يغيروا حياتهم من أجل ان يبقى الطفلان في مصر وفي الحارة.يقرر أهل الحارة أن يتخلوا عن الفوضى والقذارة والعشوائية والغوغاء، وأن يتعاملوا بنظام وترتيب وذوق، وتختفي الضوضاء من الحارة ويعم الهدوء وتنتشر مظاهر النظافة في كل مكان، وتصبح الحارة كأنها "حارة في ريف لندن"، ولكن الأب يصر على تسليم الطفلين لأمهما، لأنه يرى ان التغيير يجب أن يشمل كل الوطن، فولداه لن يبقيا في الحارة طيلة حياتهما.
رأى الأب أن التغيير يجب ان يكون إلى الأبد، وليس لفترة معينة، فهو لديه يقين أن الحارة سوف تعود لسابق عهدها، كما لا يثق بأن بلده مناسب للعيش.
ربما اليأس وعدم الثقة كانا سبباً لتخلي الأب عن ولديه، ولكنهما اختارا الأب وتركا الأم، والسبب أن الحياة في اليابان تكاد تتحول لحياة آلية، والطفلان كانا سعيدين بعمتهما وزوجها ومشاعرهما البسيطة غير المتكلفة.
ربما لو ببعض الأمل سوف تتغير حارتنا الشعبية، سوف نتغير ليس لأن في حارتنا طفلين من كوكب اليابان، ولكن هناك وباء قد بدأ يزحف وهو يهزنا بعنف قبل أن يصلنا، نأمل أن يتوقف، ولكن نأمل أن هزته لنا تبقى عنيفة ولا ننساها، فهل ننسى؟؟؟