بقلم : هاني حبيب
تتدفق ملايين الأخبار في كل لحظة حول اجتياح وباء الـ»كورونا» الذي يحظي بالتغطية الواسعة والشاملة التي تحيط بما يتعلق بهذا الوباء في استجابة غير مسبوقة لحاجة المواطن الدولي أينما كان لهذه الأخبار.هذه الأخبار في زمن الـ»كورونا» لها معناها ودلالتها الجديدة والمتغيرة، فباتت لا تتعلق بالأحداث والأرقام فحسب بل بالمعلومات والمعارف الشاملة والدقيقة حول هذا الوباء، أخبار ومعلومات أحاطت بتفاصيل علوم البيولوجيا وأجهزة التنفس والتعقيم وخصائص الحجر الصحي ومكونات الخلايا، إضافة لطبيعة الحال إلى الأخبار المتعلقة بالأحداث والأرقام المتغيرة في كل لحظة، وما كان لكل ذلك أن يتحقق إلاّ من خلال أدوات الإعلام من صحافيين وإعلاميين بالدرجة الأولى وبما وفرته لهم التقنيات الحديثة بدرجة لا تقل أهمية.
إلاّ أنّ الإعلام عموماً والصحافيين على وجه الخصوص، يواجهون تحدّيات لم تكن بالحسبان تتجاوز تلك التي سادت قبل زمن الـ»كورونا»، وتلك التي اختبروها في تجاربهم السابقة حتى أثناء تغطية الحروب، من هنا فهم يخوضون تجربة جديدة تماماً وعليهم وحدهم تقريباً وضع الأسس والمقومات التي ترسم طريقة أدائهم لهذه المهمة في الزمن الجديد دون الاعتماد فقط على تجاربهم السابقة.ولعل التحدّي الأمثل في هذا السياق يتعلق بما تبقى من الصحافة الورقية والتي كانت تعاني من أزمات حادة حتى ما قبل زمن الـ»كورونا» إلاّ أنها باتت أمام تحدٍ هو الأخطر والمتعلق هذه المرة بوجود واستمرار ما تبقى منها، في الأردن مثلاً وفي خطوة غير مسبوقة، قرر مجلس الوزراء وقف طباعة وتوزيع الصحف الورقية كونها تسهم في نقل عدوى الوباء عن طريق اللمس، هذا الوقف من شأنه أن يترك آثاره بالضرورة على أحوال وحقوق الصحافيين العاملين في الصحافة الورقية إلاّ انّ الأهم في هذا السياق هو أنّ الصحافة الورقية تمتاز عن غيرها من أدوات العمل الصحافي بالمسؤولية الاجتماعية والمسؤولية القانونية، وبالنسبة للمتلقي فإن هاتين المسؤوليتين تنعكسان على قيم المصداقية الأعلى التي تتمتع بها الصحافة الورقية مقارنة مع مختلف وسائل الإعلام الرقمي، وظلت الصحافة الورقية أداة من أدوات التحقق من قبل المتلقي في ظل تدفق الأخبار والمعلومات المزيفة التي سادت عموماً في الصحافة الإلكترونية.
ويواجه الصحافي في زمن الـ»كورونا» تحديات أكثر جدة، خاصة إذا كان يعمل من البيت، ذلك أنّ إمكانياته للتحقق المباشر من الأخبار تظل محدودة قياساً بما كان الأمر عليه قبل زمن الـ»كورونا»، ويصبح مجرّد ناقل للأخبار التي من الصعب التحقق منها ولا يستخدم في هذا السياق سوى حدسه الخاص، ويزداد هذا التحدي من قبل الصحافي في ظل رقابة حكومية خاصة فيما يتعلق بضرورة التوازن الدقيق بين الحقائق من جهة واحتمالات إثارة الخوف والذعر لدى الجمهور من جهة أخرى، الأمر الذي يترك آثاره الاجتماعية والاقتصادية على مختلف أشكال الحياة في المجتمع وهنا تبرز بضعة أسئلة، ماذا إذا كان لدى الصحافي معلومات حقيقية موثوقة تتعارض مع ما يورده الناطق الحكومي الرسمي، ماذا لو استخدم المستوى الرسمي حالة الطوارئ للحد من حرية الإعلام، ماذا لو لم توفر المؤسسة الإعلامية وسائل الحماية وأدوات العمل الإعلامي اللازمة في ظل ظروف هذا الوباء كما كان الحال عليه في ظل الحروب السابقة.
إنّ الآثار الاقتصادية المترتبة على مواجهة الـ»كورونا» من قبل الحكومات والتي من نتائجها وقف العمل في مؤسسات الإنتاج أو على الأقل معظم هذه المؤسسات، الأمر الذي يطال المؤسسات الإعلامية فالعمل من البيت في ظل الاحتجاز الإجباري، يتواكب مع طرد عدد كبير من الصحافيين وإحالتهم إلى قوائم البطالة والإبقاء على آخرين للعمل من المنزل بما يسمح بتوفير ذريعة لإدارة المؤسسات الصحافية لتقليص رواتبهم، ما يشكل تحديا يؤثر مباشرة على قدرة الصحافيين لأداء مهامهم الخطيرة، وفي هذا السياق، لا يجب تجاهل الخطر الأكبر المحدق والتحدي الأكثر خطورة والمتعلق باحتمالات كبيرة لإصابة بعض الصحافيين بالوباء أثناء تأديتهم لهذه المهام وهنا لا بد من تحديد مسؤولية المؤسسات الإعلامية والدولة عن وضع القوانين التي توفر لهؤلاء ضمانات الحصول على حقوقهم بهذا الشأن.