بقلم : سما حسن
خطة فاشلة تلك التي سرنا عليها منذ بداية العزل المنزلي حتى اليوم، لأننا فكرنا بالبطون واتجهنا إلى المطبخ، ويبدو أن هذا ما يفكر به البشر غالباً، وغير ذلك فيبقى قاعدة شاذة عن القطيع، ففي الولايات المتحدة هناك إحصائية حديثة تشير إلى زيادة تصل إلى 64.7% على مبيعات صودا الخبز التي تستخدم في إعداد "الكيك" البيتي والمعجنات والفطائر.
في صغري كنت أعتقد ان الأجانب فقط هم من يصنعون فطيرة التفاح، لأنني قرأت عنها في القصص المخصصة للأطفال والمعربة بالطبع، كما قرأتها على شريط الترجمة من خلال أفلام ومسلسلات الكرتون التي كانت تعرض على شاشات التلفاز، وتمنيت أن أتناول فطيرة التفاح أو ان تعدها أمي ذات يوم، وظلت أمنيتي حتى أصبحت مراهقة، وبدأت أقرأ الروايات الرومانسية واكتشفت ان فطيرة التفاح تقدم للضيوف ومع شاي الساعة الخامسة عند الأجانب.
حين أصبحت أماً وربة منزل تعلمت طريقة إعداد فطيرة التفاح في البيت، وكان طعمها مميزاً، ولكن أحداً من أطفالي لم يستسغ طعمها، وهكذا لم اكرر التجربة واعتمدت طريقة إعداد الكيك المنزلي المعتاد والذي تعلمناه في حصة التدبير المنزلي في المرحلة الإعدادية. أذكر أننا تعلمنا في مطبخ التدبير المنزلي في مدرسة الأونروا طريقة إعداد نوع من الكيك يعرف بـ "كيكة الشيفون"، ويبدو ان من اخترعها قد أطلق عليها هذا الاسم ليشير إلى براعته في إعدادها، فهي خفيفة وهشة لدرجة لا توصف، وبالطبع لست بحاجة لأخبركم ان أول تجربة لي لإعداد كعكة في البيت كانت فاشلة، وأنني قد تلقيت التأنيب من أمي لعدة ايام بسبب خسارة المواد التي تدخل في إعدادها، وحيث كان مصير الكعكة هو أن تصبح طعاماً لدجاجات جدي رحمه الله.
الكيك البيتي الذي نعده في البيت رغم ان مكوناته كثيرة وطريقة إعداده سريعة إلا انه يرفع معدل استهلاكنا للدهون، وكذلك الحصول على السعرات الحرارية، وكانت أمي تردد ان الكيك البيتي قليل البركة لأن الجميع يحبه. طبعاً لم نكن نعرف قبل ذلك ان تناول الحلويات يحفز هرمون الجوع لكي نطلب المزيد والمزيد من الطعام، ويبدو ان اتجاه الناس جميعاً إلى تناول الحلويات والأصناف التي تحتوي على السكر هو السبب الأول لكي يشعروا بالجوع باستمرار ويعانوا من كثرة استهلاك الطعام، كما أن الجميع يجتمع على قاعدة واحدة وهي انهم يعدون أكثر من وجبة في اليوم الواحد.
خطة فاشلة كما قلت اننا اتجهنا إلى المطبخ، ويبدو ان القلق والخوف والتوتر يجعل الإنسان يتجه لا إرادياً لحب البقاء، وحب البقاء لا يمكن التعبير عنه سوى بالإكثار من الطعام، ويتفق بذلك معظم شعوب العالم، وأكتشف أنني قد فشلت في قراءة عدة كتب كانت متراكمة فوق مكتبي منذ فترة، فالقلق لا يمكن ان يعطيك فرصة للقراءة، ولكن القلق يعطيك الفرصة بل يزيدها لكي تهرس الطعام وتطحن وتلوك وتبلع ثم تطالب بالمزيد.
الكيك البيتي الذي تعده الأمهات ربما له فائدة عظيمة حين جمع أفراد الأسرة مرة ثانية، الأسرة التي تباعدت كثيراً بسبب اللهاث في خارج البيت ما بين الأعمال والوظائف والمدارس والجامعات، ثم لقاءات الأصدقاء في نهاية اليوم في "الكافيهات" ولكننا اليوم نجتمع أكثر وبدأنا نكتشف كم اشتقنا لبعضنا البعض حتى وان كان هناك حالات من العنف المنزلي فهي قليلة وشاذة، فالزوج ربما يمارس العنف بسبب قلة المال وبسبب المصاريف المطلوبة والديون والأقساط والفواتير ويعكس ذلك على أسرته، ولكن الأسرة التي تعيش في استقرار مادي نسبي فهي قد وجدت نفسها في ظل العزل المنزلي، وحول الكيك البيتي مع فناجين الشاي الساخنة التي تعوم على وجهها أوراق النعناع الخضراء أو أعواد المريمية ذات الرائحة الندية.
الكيك المنزلي هو ذكريات أمي، وذكرياتي مع صغاري الذين كانوا يجتمعون حول الكيك المنزلي وحولي، الأيام الجميلة التي مضت ولن تعود، فاحرصوا عليها أيها الآباء والأمهات الصغار، عيشوا اللحظة حول الكيك البيتي...
قد يهمك أيضا :
ليست جائحة ولكنه وباء
الحياة الجميلة قادمة