بقلم : عقل أبو قرع
الانتخابات الرئاسية الأميركية، الاتحاد الأوروبي بمكوناته وفلسفة وجوده، العولمة، سباق التسلح وإنفاق مئات المليارات على أسلحة تتكدس وجيوش لا تفيد، النفط وجدوى إنتاجه مع أسعار تتهاوى لتصل إلى أقل من 20 دولارا للبرميل الواحد، الأبحاث العلمية وأهميتها، التكافل الاجتماعي والبطالة والفقر، انهيار الاقتصاد وتعطل المصانع وإفلاس شركات الطيران، إغلاق المدن والدول والحدود، توزيع الكمامات، وتسخير الأجهزة الأمنية وعلى رأسها «الموساد» الإسرائيلي من أجل إحضار أنابيب الفحوصات وأجهزة التنفس من رحاب العالم، والرئيس الأميركي يعلن عن احتمال وفاة 100 ألف أميركي على الأقل، وأن تحقق هذا الرقم فسوف يعتبر إنجازا كبيرا للجهود التي تم بذلها، وما إلى ذلك من عناوين تدور حول السياسة والاقتصاد والمجتمع والصحة والأمن، وبطلها هو ذلك الجزيء الدقيق من الحامض النووي المغلف بالبروتين، الذي نحتاج إلى تكبيره حوالي 500 مرة بالمجهر لكي تراه العين المجردة، والذي فقط يعيش داخل خلايا الكائن الحي، الذي يتم التعارف عليه بفيروس كورونا.
ومن يشاهد الإيجازات اليومية، وفي مختلف دول العالم، وبالأخص في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، والتي يقوم بها أعلى المسؤولين في الدولة بالإضافة الى المختصين والخبراء، يلاحظ الإرباك والارهاق والخوف السياسي، وبالأخص في دول تلكأت في البدء في اتخاذ إجراءات الوقاية مبكرا، ومنها بريطانيا والولايات المتحدة، حيث يمكن وبوضوح ملاحظة التخبط في تصريحات الرئيس ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني جونسون، حيث كان ترامب مستهترا ومتجاهلا لهذا الفيروس وبالأخص في بداية شهر آذار، وكان من الواضح أنه من جل أولوياته في الاقتصاد والعمل والشركات والأرباح وأسواق الأسهم والبورصات وأسعار النفط وما إلى ذلك، لم يأخذ الأمر بشكل جدي، وما يشاهد الآن من الويلات التي تلحق بالولايات الأميركية المختلفة، بدأ من نيويورك إلى كاليفورنيا وميتشغان ولويزيانا وغيرها، حيث تتصاعد أعداد الإصابات والوفيات وبشكل دراماتيكي يومي، ورغم التراجع التكتيكي ولو متأخرا في مواقف ترامب وجونسون، والاعتراف بتداعيات الفيروس الوخيمة المتوقعة، إلا أنهما سوف يدفعان ثمنا سياسيا وقد يكون باهظا في المستقبل القريب.
وهناك دول أوروبية عريقة أصيبت نخبها السياسية ومجتمعها في الصميم، سواء أكان ذلك في إيطاليا أو إسبانيا أو ألمانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها، ومن الواضح أن الوحدة الأوروبية وفي ظل الاتهامات من الدول الأكثر تضررا إلى دول أخرى مثل ألمانيا مثلا، بعدم مد يد العون سوف تكون لها تداعيات على مستقبل الاتحاد الأوروبي وعلى العلاقات بين الشعوب، ومن الواضح أن حجم المآسي وتكدس الجثث سوف يطيح برؤوس سياسية تلكأت أو استهترت أو لم تقم بالدور بفعالية، وفي نفس الوقت، سوف يدعم وبقوة أقطابا أخرى، بادرت وكانت فعالة وتعاملت بجدية مع تداعيات هذا الفيروس، ودون شك أن المستقبل القريب سوف يثبت ذلك.
وفي منطقتنا العربية أو منطقة الشرق الأوسط، من الواضح أن دولة مثل إيران مع عشرات الآلاف من الضحايا سواء إصابات أو وفيات، ودولة مثل تركيا تتصاعد فيها حالات الضحايا بشكل كبير ومخيف هذه الأيام، لن تكونا هما بعد «كورونا» مثل ما كانتا قبله، سواء من حيث قوة النخب السياسية أو قوة الاقتصاد بمكوناته المختلفة، أو العلاقات بين الناس والأنظمة، وسوف تكون تداعيات «كورونا» وخيمة وربما خلال فترة ليست بالبعيدة عليهما، وهذا ينطبق كذلك على دول لم تلتزم بالشفافية أو بالوضوح أو بالجدية مع هذا الفيروس المميت.
وبالإضافة إلى السياسة، فسوف تكون هناك تداعيات وخيمة وكما نشاهد الآن على أسعار النفط وأداء العمرة وربما الحج وعلى السياحة والطيران وما إلى ذلك من أثار بعيدة المدى على الاقتصاد والمجتمع.وفي الجانب الإسرائيلي الأقرب إلينا، ومع تخطي الإصابات حاجز الـ 7000 إصابة، ومع الذهول والتخبط الذي يصيب رجال السياسة والاقتصاد والصحة والأمن وحتى رجال الدين، فمن الواضح أن «كورونا» سوف يغير وبشكل كبير أمر إسرائيل الداخلي، حيث اظهر حتى الآن هشاشة القطاع الصحي، وهشاشة العلاقة بين «الحريديم» والدولة أو بينهم وبين بقية الناس، وما يحدث في مدينة «بني براك» التي يصل عدد سكانها إلى حوالي الربع مليون إنسان، حيث أعلى الإصابات أو ما يحدث في أحياء «ميئة شعاريم» في القدس لهما مثالان واضحان على ذلك، ومن الواضح أن «كورونا» هز العلاقات السياسية والاقتصاد القوي والعلاقات الاجتماعية واظهرها على حقيقتها لنا وللعالم.
ومع اجتياز عدد الإصابات عتبة المليون إصابة والوفيات حاجز 53 ألف وفاة في العالم، ومع سرعة الازدياد في الإصابات بحيث باتت تصل إلى حوالي 80 ألفا في اليوم، ومع الغموض والتخبط والخوف والذهول الذي يصيب العالم هذه الأيام، وفي ظل عدم وجود بارقة أمل حقيقية علمية بالتوصل إلى شيء ما لإيقاف انتشار هذا الفيروس من خلال مصل أو للتخفيف من حدة الإصابة به من خلال دواء فعال، فإننا على ما يبدو سوف نستمر في مشاهدة التزايد في أعداد الإصابات والوفيات، وسوف تستمر الفضائيات ووكالات الأنباء في التزاحم لتغطية هذا الفيروس من خلال الأخبار العاجلة، وسوف يتواصل فقدان ملايين العمال والموظفين فرص العمل وإغلاق الشركات والمصانع وإفلاس شركات الطيرات في رحاب العالم، وعلى الصعيد الفلسطيني، فإن من إيجابيات «كورونا» ورغم عدد الإصابات الذي ما زال تحت السيطرة، أنه أعاد التعاضد الاجتماعي، وساعد في العودة التدريجية للثقة بين الناس والمسؤولين والاهم أثبت أن مجتمعا صغيرا وذا إمكانيات محدودة مثل بلادنا، لقادر ومن خلال الالتزام والعمل الجماعي والمبادرة في اتخاذ الإجراءات وليس انتظار ردة الفعل، وقادر على القيام بما عجزت وما زالت تعجز دول عظمى، ذات قدرات هائلة واقتصاديات ضخمة على القيام به.