لا تجنٍّ ولا مبالغة في وصف حال أردوغان في السنوات الأخيرة بالتنمر والاستقواء والشراسة واي مرادفات أخرى من نفس الفصيلة، أومن توابعها.
البدايات القوية والمؤسسة لتشكل هذا الحال جاءت مع البدايات الأولى للأزمة في سورية. وذلك حين لعب أردوغان دوراً حاسماً في تشكلها عبر فتح حدوده لانتقال الإرهابيين من كل الجنسيات اليها وانتقال ثرواتها الطبيعية وصناعاتها الى مدنه، وحين جعل من تركيا القاعدة الأساسية لقيادة المعارضة وحركتها السياسية.
وقد تطور هذا الحال ليصبح وجوداً ثابتاً ومؤثراً- عسكرياً بالدرجة الأولى- في بعض مدن سورية ومناطقها، وعاملاً مقرراً في مسار الأزمة وتعقيد محاولات حلها.
في موازاة التطور في حال أردوغان الموصوف ولدت ونمت شهوة استعادة الخلافة العثمانية البائدة، حتى ولو جاءت استعادتها بصيغة وشكل يتناسب مع عالم اليوم ومعطياته وحدوده.
الآن أصبح لحال التنمر والاستقواء، ومعه شهوة استعادة الخلافة، اطماع وجود من كل نوع وشكل في أكثر من بلد عربي، بغض النظر عن الدرجة والشكل والمستوى: في سورية والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وليبيا. ووصل أيضا الى درجة التهديد لمصر وحضورها الإقليمي وأمنها الوطني ومصالحها الحيوية براً وبحراً، وامتد ليصل الى التطلع الطامع في حقول نفط وغاز البحر الأبيض المتوسط، والى التصادم مع بعض الدول الأوروبية وإن بشكل محسوب. وما زال الحبل على الجرار.
اردوغان بحاله الموصوف قاد تركيا الى حال يشكل تطوراً نوعياً للحال الذي ظل مستقراً في عموم المنطقة (الإقليم) لعقود. وهو الحال المتمثل بوجود ثلاثة مشاريع إقليمية فيها هي: المشروع التركي والمشروع الإيراني والمشروع الإسرائيلي.
ومع غياب تام لأي مشروع عربي يحفظ التوازن معها، او يجابه أي طموحات إقليمية في البلاد العربية لأي منهم.
حال اردوغان، ومعه تركيا، المتوازي مع شهوة استعادة الخلافة، استفاد في وصوله الى حال التنمر والاستقواء المذكورة من عدد من العوامل أهمها:
- القوة الذاتية التركية العسكرية والسياسية والاقتصادية.
- تحالفه مع الدول الغربية ومعها أميركا، ومشاركته لهما في الحلف الأطلسي.
والى ذلك فهو في الفترة الأخيرة يستثمر في حال السكوت الأميركي، ويفهمه على انه توافق ضمني معه.
ويستثمر أيضا في مجال تهديد الدول الأوروبية بفتح الباب أمام موجات هجرة اللاجئين المتواجدين على أراضيه الى شواطئها وأراضيها.
- تجيير ما تبقى من دور وقوة عدوانية وحضور لحركة الإخوان المسلمين في تنفيذ طموحاته العدوانية. خصوصا وقد أصبحت تركيا واقعياً هي المركز القيادي العالمي للحركة وأصبح أردوغان في موقع المرشد العام لها. (الغنوشي رئيس حركة الإخوان في تونس ورئيس مجلس النواب فيها، لعب دورا مساعدا في التوصل الى اتفاقية التعاون بين تركيا وليبيا).
وهذا العامل بالذات، هو ما يفسر دعم اردوغان لأعمال حركة الاخوان العدائية داخل حدود الدولة المصرية، ودعم تجمعاتهم المسلحة على حدودها (كما في ليبيا) واعمالهم العدائية ضدها.
وهو أيضا، ما يفسر مساندة أردوغان لإثيوبيا في بناء سدها العملاق على النيل وبالشكل والمستوى الذي يهدد الأمن المائي والحياتي المصري.
وفي هذا السياق وقع مع اثيوبيا اتفاقا بنفس صيغة اتفاقها مع إسرائيل ويدعو في أحد بنوده الى تطوير مصادر المياه في إثيوبيا ....»وتوفير الحماية لها».
- لكن، يبقى عامل الواقع العربي هو العامل الأهم بين كل العوامل لما هو عليه من حال الضعف والتشرذم والتصارع الذي تعيشه دوله واطرافه.
لقد تراجع الواقع العربي عن حال عدم القدرة على تشكيل مشروع إقليمي مواز ومجابه للمشروع التركي وطموحاته، ووصل الآن الى حال أصبح اردوغان معه قادراً على التحكم او التأثير على بعض اطرافه وتوجيهها لمصلحته، وقادرا على الاعتداء على أطراف أخرى.
الداخل التركي لم يسلم من حال تنمر اردوغان واستقوائه الموصوف.
كان من اول من طالهم التنمر، حزبه الذي اوصله الى موقع المسؤولية الأول.
فقد تخلص من عدد من رموز الحزب المؤسسين مثل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية السابقين وعدد كبير ممن كانوا في موقع المسؤولية.
وقد تحولوا جميعاً الى مواقع المعارضة، وأعلن أحدهم فعلاً عن قيام حزب سياسي معارض، وأعلن بعض آخر النية لتأسيس أحزابهم.
وترافق ذلك مع ادخال اردوغان تغييرات جوهرية على نظام الحكم، إذ حوله من نظام برلماني الى نظام رئاسي لصالح تحكمه الشخصي بقرار الدولة وسياساتها.
وطال التنمر أيضا الحركة الكردية وحزبها السياسي الشرعي وقياداته، ولم تشفع لهذا الحزب مشاركته في البرلمان الوطني بأعضاء منتخبين فيه.
وطال اعداداً كبيرة من كبار القادة في الجيش وفي الشرطة والأمن.
ثم انه قام باستغلال المحاولة الانقلابية الفاشلة والمحدودة جدا في تموز 2016 في «تنظيف» أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع من عشرات آلاف الناشطين المعارضين لأردوغان وحكمه وبأشكال وطرق على طلاق بائن مع الديموقراطية وقوانينها وأعرافها.
هذا الحال من التنمر والاستقواء لأردوغان وتركيا مرشح لمزيد من الاستمرار، والتصاعد أيضا، طالما استمر الواقع العربي على ما هو عليه.
ولن يكون قادراً على وقفه بالدرجة الأولى إلا صحوة يشهدها واقع النظام العربي.
قد يهمك أيضا :
نعم هناك ما يُفرح
عن تموز واستحقاقاته